هل تضيع الفرص؟!
> تعطي الظروف السياسية وتحولاتها ووقائعها اليومية المؤتمر الوطني فرصاً ثمينة لإثبات كفاءته السياسية وجدارته في إدارة شؤون البلاد، وتتيح له فرصاً تلو أخرى، حتى يتمكن من إصلاح ما يمكن إصلاحه وإنقاذ ما يتاح إنقاذه، وتسمح له بتنفيذ برامجه وشعاراته التي يرفعها في كل مرحلة، دون أن يحاسبه عليها الشعب الذي أعطاه كل هذه السوانح.
> ومنذ بدء عملية البناء حتى انعقاد شورى الوطني تمهيداً للمؤتمر العام يوم الخميس بعد غدٍ، ظل الشعب السوداني يراقب ويتابع المؤتمرات منذ انطلاقها في المناطق والمحليات ثم الولايات حتى خاتمة المطاف الأخير، لم ينشغل بشكلياتها ومظاهرها، بل كانت توقعاته وتطلعاته أكبر من ذلك، فالجميع لا يرى إعادة بناء المؤتمر الوطني لنفسه، إلا من باب الترقب والانتظار والرغبة في الإصلاح السياسي والاقتصادي ومعالجة الأزمات التي تمسك بخناق البلاد، مع رغبة ملحة في توحيد الصف الوطني وإنهاء حالة الاستقطاب الحادة وجعل الحوار بين أبناء الوطن الواحد هو السبيل الوحيد لوقف الحروبات وإنهاء الصدامات والشقاق وكشط حالة انعدام الثقة.
> نجاح المؤتمر الوطني في عقد مؤتمراته ليس لأنه اللاعب الوحيد في الساحة، فعجز الحركة السياسية السودانية وخاصة قوى المعارضة وأحزابها عن تصحيح مساراتها وبناء ذاتها وترميم حيطانها وركائزها، جعل غريمها المؤتمر الوطني يستفيد من كل المتاح أمامه وبين يديه، ينفرد في تقرير مصير البلاد وتعزيز وجوده في السلطة وقيادة التغيير السياسي والاجتماعي في بلد يلتمس طريقه وسط ركام الأزمات وحقول الأشواك.
> قد ينظر البعض إلى ما يجري هذه الأيام وعملية اختيار مرشحي الحزب الحاكم لرئاسة الحزب والدولة، على أنه ارتداد عكسي عن طريق الإصلاح والتغيير، باعتبار أن ما تمخض عن كل عملية البناء من القاعدة حتى القمة، أعاد نفس الوجوه وذات القيادات، وكأن رحم المؤتمر الوطني لا يلد إلا هذه القيادات، لكن الحقيقة أن عملية صعود واختيار القيادات السياسية في أي مكان في عالمنا الفسيح، تحكمه عوامل واعتبارات ومعايير عديدة تمثل أسس الشرعية السياسية التي يُحظى بها المختارون للقيادة داخل كياناتهم الحزبية، فقبل الحديث عن الكفاءة والقدرة والخبرة والجدارة التنفيذية والسياسية، لا يمكن الزعم بأن كل شيء يجب أن يتم وفق قيم مثالية وموضوعية، فالسياسة في كل الدنيا وفي أي عصر ومصر، لها مناخاتها وظروفها وأسبابها ودواعيها غير الموضوعية، وتصبح في كثير من الأحيان هذه القيم والتطلعات غير ذات نفع مقابل الحقائق الماثلة التي تحكم اتجاهات وطبيعة ما ينتج من قرارات واختيارات.
> والمؤتمر الوطني ليس نسيج وحده، فهو مثل كل الأحزاب في العالم، تحكمه توازنات وحسابات لا علاقة لها بالجدال السياسي البعيد عن مركز دائرة الفعل الحقيقي في صناعة القرار، فالأحزاب السياسية الحاكمة في أقطار العالم المختلفة، بتنوع واختلاف مناهجها وطقوسها وظروفها تتفق في شيء واحد، هو قدرتها على إفراز قياداتها وفق الضرورة الملحة وليس بناءً على الجرد الحسابي القائم على الربح والخسارة ومعادلات الرياضيات الحاسمة.. فالسياسة تتحكم فيها دوافع وعوامل مرئية للبعض وغير مرئية لكثير من الناس، وهي عوامل ودوافع نسبية ومتغيرة لا تعرف الثبات.
> وبما أن الأحزاب كيانات حية ذات تفكير وعقل وتحرك جمعي، فإن تراكيبها النفسية والذهنية تنزع إلى صناعة صورة القيادة التي توفر لها الإحساس بالطمأنينة والأمان والرضاء، وتنصاع الكتل الحزبية لذلك، دون التفكير الجاد في صناعة الواقع والمنهج السليم الذي يتم من خلاله اختيار القيادة، وتتعدد وتختلف أشكال هذا النوع من الممارسة السياسية الداخلية للأحزاب، لكنها ترسم في النهاية منهجاً واحداً تتم من خلاله بلورة الطريقة التي تؤدي للهدف المطلوب.
> ولا يُعاب على المؤتمر الوطني ذلك، فهو لم يتنكب الطرق التي تسلك في عالم السياسة، لكن عليه أن يدرك ويعي بعقل مفتوح، أن الفرص التي أتيحت له وتتاح في المرحلة المقبلة تلقي عليه مسؤوليات جمة وتحديات جسيمة وعظيمة، في مقدمتها إصلاح نفسه وإصلاح البلاد، وتصحيح مسار السياسة والحكم في البلاد وتهيئتها لمرحلة جديدة، وطرح مشروع وطني للجميع، ووضع أسس النهضة واللحاق بما فات.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة