تحقيقات وتقارير

أكثر من ثلاثة آلاف منظمة وطنية لماذا .. ؟

بدون سابق إنذار وجد السودان نفسه مليئاً ومحاصراً بآلاف المنظمات الأجنبية و المحلية للدرجة التي تغلغلت فيها تلك المنظمات من بين ثقوب الثوب السوداني المهتريء دون أن تسقط أرضاً.. ورفعت عدة ألوية ورايات جميعها تلاقت تحت العنوان الكبير: «حقوق الإنسان» والعمل على حفظ الحقوق أو إعادتها إن كانت ضائعة.

وبقرار واحد استطاع الرئيس أن يطيح بكل المنظمات الأجنبية العاملة في دارفور بعد أن ثبت تجاوزها للخطوط الحمراء واتضح أن معظمها لافتات لدوائر استخباراتية غربية.

ونشطت بالتالي أخوات لها محليات بغية سد الفراغ والعمل على سودنة عمل المنظمات وتداعت وتكاثرت ليتجاوز عددها الرقم 3 آلاف منظمة،

وتبعاً لذلك تناسلت الاختصاصات وتداخلت الأهداف وتلاشت الشروط المفضية للتصريح للدرجة التي صار من السهل على أي عدد من الناس لا يحقق النصاب الشرعي لصلاة الجماعة، أن يلتقي تحت لافتة أو عنوان ويحصل على إذن بإنشاء منظمة.

«آخر لحظة» ذهبت تستطلع كنه وحقيقة تلك المنظمات وعرضت على أهل الاختصاص السؤال الكبير وهو هل عقبة التمويل تستطيع أن تهزم المشروعات والأهداف؟

عيوب عديدة

قال د. عمر الخير الأكاديمي والناشط في مجال العمل الطوعي، إن عمل منظمات المجتمع المدني في السودان محاط بعدد من الإشكاليات، خاصة وأننا نمر بمرحلة تحول لذلك لم تعمل باستقلالية لضعف التمويل في معظمها.

وأوضح أن لهذه المنظمات عيوب عديدة، منها تأسيسها بأهداف أكبر من حجمها ودائماً لا تلتزم بإنفاذها لأنها فوق إمكاناتها، فمثلاً عندما تتناول قضية الفقر لا تضع برامج محددة وتحصر اهتمامها بقضايا المساعدات المادية أكثر من الخطط والبرامج ولا تهتم بتدريب العاملين أنفسهم ليؤدوا الدور المناط بهم في خدمة المجتمع، وبالتالي تصبح مكاناً للاسترزاق فقط.

وكذلك الدولة نفسها لا تلتزم بتطبيق الالتزامات ولا تدعمها الدعم المناسب وفق البرامج والحاجات.

ومن العيوب أيضاً تضارب وتكرار الأهداف، بأن يجتمع عدد من المنظمات في منطقة واحدة ولنفس الغرض.

وضع ضوابطوعن إمكانية إيجاد ثغرة عبر هذه المنظمات للتدخل الخارجي، أبان د. عمر أن هذا الأمر لابد أن تحسمه الدولة بوضع ضوابط ونظام أساسي لمعرفة موارد هذه المنظمات وتطابق ذلك مع أهدافها، ولكن اذا كان هناك دعم سري ،فهذا شأن آخر ولابد من التعامل معه بضوابط أيضاً، وهذا ليس معناه أن هناك إشكالاً في كل ما يأتي من الخارج والذي يمكن أن يمثل إضافة للمنظمة.

مساعدة الدولةلمعرفة دور المنظمات الطوعية تجاه المجتمع وأهميتها وهل هي نعمة أو نغمة تحدثنا إلى الأستاذة سلافة حسين بسطاوي الباحث الاجتماعي الناشطة في مجال حماية المرأة والطفل، والتي بدأت حديثها قائلة: الهدف الأساسي للمنظمات سواء كانت نعمة أو نقمة، فهي تلبي احتياجات المجتمع والفئات المعنية والأكثر حاجة بهدف المساعدة والمساندة، وذلك بوسائط محدودة.كما أن كل منظمات المجتمع المدني سواء كانت محلية أو عالمية، تهدف لمساعدة أجهزة الدولة المعنية والمجتمع وتلبية احتياجاتهم، وأضافت الكم الهائل، فكل ما كانت المنظمات منتشرة ومهما كانت كثيرة وواقفة على احتياجات المجتمع، فهي نعمة لأنها حلقة الوصل بين المجتمع والدولة وترفع صوت المجتمع وفق القوانين والدستور العاملة به وزارة الشؤون الإنسانية.

توعية لا متاجرة

ونعمة أيضاً بتوعية المجتمع وتنويره بحقوقه، كما أن المنظمات يمكن أن تكون نقمة عندما لا تقوم بدورها تجاه المجتمع وتتأخر في تلبية احتياجات الفئات المعنية التي قامت من أجلها،

لذلك عندما تتاجر بحاجة هذه الفئات لتُسلم دعم مادي وبصورة غير شرعية وذلك عن طريق تفخيم المشكلة رغم محوريتها، فيصبح الأمر نقمة حقيقية، وعندما تتعامل هذه المنظمات بأجندة غير واضحة مع الدولة نفسها.

مهمة ولكنكذلك عندما لا تتضح إنجازاتها وتكون غير مرئية، فهي نقمة على الدولة والمواطن والفئات الضعيفة التي قامت من أجلها.

وأكدت بسطاوي أن المنظمات موجودة في كل دول العالم سواء كانت دولاً متقدمة أو نامية وتختلف في أهدافها حسب حاجة الدولة والمجتمع.

وقالت هناك منظمات تنشأ بناء على الظروف السياسية للدولة ويكون الهدف منها إعادة النازحين- محاربة النزوح والعودة الطوعية.

تخصصية الأفكار

كما أن بعض المنظمات تقوم نتاجاً للكوارث الطبيعية، مثل مكافحة التصحر والجفاف ومنظمات تنشأ للتغيير الثقافي والاجتماعي وتهدف إلى محاربة العادات الضارة.

وأشارت بسطاوي إلى أن المنظمات تتولد نتيجة أفكار مختلفة سواء اجتماعية أو دينية أو ثقافية، لذا كل منظمة لديها رؤية محددة.

وكل ما كانت أهداف المنظمة محددة والفكرة أيضاً، يكون عمل المنظمة سهلاً وتقدم الدعم المطلوب الى الفئة المعنية.

صنيعة النظام العالمي الجديد

من جانبه دافع الأستاذ إبراهيم عبد الحليم رئيس المجموعة الوطنية لحقوق الإنسان، عن دور وعمل منظمات المجتمع المدني ويرى أن كثرتها ضرورة فرضها النظام العالمي الجديد، خاصة وأنها أصبحت جزءاً أساسياً من الدولة، وأكد أنها تمثل الآليات التي تحرك العمل في كل البلدان حتى أصبحت الحكومات مجرد مظهر هامشي، ووصف المجتمع الذي لا يعطي أهمية لعمل المنظمات بأنه مجتمع ميت أو أنه جسم لا يمتلك الحياة، وقال إن أي شخص يتحدث عن الدور السلبي للمنظمات لا يعي دورها الحقيقي في خدمة المجتمع، والتي تقدمها بأقل تكلفة، وأبان أن معظم المنظمات تعمل وفق أهداف محددة للرقي بالمجتمع رغم إمكاناتها الضعيفة.

ثغرة التمويل

ونفى أن يكون عمل المنظمات ثغرة للتدخل الخارجي، خاصة وأن هدفها إنساني بحت الأمر الذي لا يتعارض مع تلقي التمويل الخارجي بحسبان أن كل المنظمات في العالم تمثل جسماً واحداً وبالتالي تدعم المنظمات «خارجية- داخلية» بعضها البعض لتوصيل رسالتها، وهي العمل الإنساني.. إذن لا يمكن الحديث عن أن الدعم الخارجي يمكن أن يكون ثغرة للتدخل الأجنبي، بل على العكس إن تطور منظمات المجتمع الوطني يمكن أن يساهم في عدم التدخل، فلو أن منظماتنا وجدت مزيداً من الاهتمام لتم الاستغناء عن المنظمات الخارجية التي تأتي لأهداف معينة كما حدث في مشكلة دارفور والدور السالب للمنظمات التي تم طردها.

الحذر قبل التصريح

وفي السياق أكد عميد أمن (م) حسن بيومي أن مشكلة المنظمات تكمن في دعمها الذي بموجبه تحدد أهدافها ويمكن أن يكون التمويل مداخل لأهداف عديدة ولأعمال خارجية، وهذه مهمة الجهة التي تمنح التصديق فتقع على عاتقها مسؤولية التأكد من الأهداف قبل التصريح لها بمزاولة عملها وكذلك متابعتها بعد التصديق، ولكن من الواضح أن معظم هذه المنظمات ذات طابع اجتماعي.

ترقية حقوق الإنسان

ياسر سليم المدير التنفيذي لمعهد حقوق الطفل بدأ حديثه قائلاً: إن المنظمات لها دور كبير في ترقية حقوق الإنسان والطفل والمرأة بصورة عامة، وأكد أن المنظمات تعمل في مجال التدريب والخدمات الإنتاجية ونصرة قضايا معينة، وهي تقوم على حسب الدستور السوداني.. ومن حق أي مجموعة إنشاء منظمة لأن المنظمات تقوم بالخدمات، فبالتالي تكون لها إيجابيات، لذا يجب أن يتحرك الناس لإنشاء العديد من المنظمات لسد الثغرات ونقاط الضعف والاحتياجات التي لا تستطيع الدولة أن تغطيها، وأن يتحرك البعض ويعلم أن الدولة بها اتفاقيات مصادقة عليها والعمل على ضغط الدولة لتنفيذها، كما هو معروف أن المجتمع المدني ليس هو المنظمات فقط، هناك المراكز الثقافية والأندية الرياضية وحتى جمعيات ربات البيوت.. نفهم أن المجتمع المدني هو مجموعة قامت عن طريق التراضي، بإنشاء جسم برغبتها لا يتبع لسلطة الدولة، إنما هو مسجل في إطار القوانين المختلفة التي تسمح بإنشاء عمل طوعي ومن المهم أن نعرف أنه هو هذه الجمعيات أو المنظمات.

لابد من الضبط المحاسبي

إن الجمعية العمومية والمؤسسين هم المسؤولون مسؤولية مباشرة عن ميزانيتها وماليتها حتى اذا خرجت عن تحقيق أهدافها التي من أجلها قامت، الجمعية العمومية هي التي تحاسب اللجنة المكونة.. وكل المنظمات لديها نظام محاسبي ترفع تقاريرها الى الجهات الممولة بانتظام حتى اذا ظهر فساد في تلك المنظمة فإن الجمعية العمومية هي التي تحسم الأمر، لذلك يجب عدم التخوف من زيادة عدد المنظمات والجمعيات التي تقوم بمختلف المجالات ويجب عدم إساءة الظن في الحس الطوعي الذي بدأ ينمو، وخاصة في ظل وجود النزاعات والصراعات التي تفرز ضحايا يحتاجون الى اهتمام وحتى الكثير من الروابط القبلية تقوم بعمل إيجابي وأي منظمة تعمل على تلبية احتياجات مجموعات قبلية معينة.. «قال الرسول خيركم خيركم لأهله».

وأاضاف بأن كل المنظمات فيها روح الديمقراطية وتقوم المفوضية بتجديد شهادات التسجيل شرط أن تعقد الجمعية العمومية وتقدم الميزانية والأداء، ولا يسمح لأي جمعية بتجديد دون عقد الجمعية العمومية وتقديم خطاب وميزانية من مراجع معترف به وضرورة حضور المؤسسين، بذلك يتضح أن تلك المنظمات تحت مراقبة قوية.

الأمين العام للمجلس السوداني للمنظمات الوطنية

تحدث الأستاذ إبراهيم محمد إبراهيم، الأمين العام للمجلس السوداني للمنظمات الوطنية، حيث قال: ساهمت المنظمات الوطنية في مجالات كثيرة جداً ومازالت تساهم، والأهم لا توجد لديها أجندة خفية والميزة أنها تعرف واقع المواطن السوداني واحتياجاته وكيف تصل إليه ولا توجد حواجز بينها وبينه من ناحية اللغة والدين وكيف تعرف كثير من هذه المنظمات أنها نشأت لحاجة معينة وتستجلب مساعدات من الخارج إسلامية وعربية وأجنبية ومشاريع كبيرة جداً تنموية وإعادة بناء ومشاريع لإزالة الأمية والمشاحنات وبناء الثقة وإعادة بناء النسيج الاجتماعي وإعلاء قيم العدالة والتضامن والكرم.

من سلبيات المنظمات الوطنية هي أنها قليلة جداً، فبعض المنظمات نشأت وليس لديها مقر أو مقومات ويعمل بها شخص واحد ويحملها في شنطته، وهذا أقل بكثير من سلبيات المنظمات الأجنبية.

د. محمد يحيى أبو القاسم المدير التنفيذي لمنظمة رفقة

هي فكرة شبابية في جامعة الخرطوم كلية الطب، لمساعدة فئة من المجتمع وهم الأيتام.. لأن منهم معدمين، نعمل على منعهم من الخروج من المدرسة والتشرد ونحاول بقدر الإمكان نكفي هذه الشريحة ذل السؤال؟

بدأنا بيتيمين وحالياً نكفل «35»، نحاول بقدر الإمكان أن نكفل هؤلاء كفالة تامة، بالإضافة إلى إقامة رحلات وزيارات شخصية لحل مشاكلهم.

وعن الدعم قال ليس لدينا دعم ثابت بحيث تجمع من الطلاب في الجامعة، وهذا يشكل مشكلة، لأن في الإجازة لا نجد دعماً وفي زمن الامتحانات قد نضطر للاستدانة حتى نكمل الكفالة.

وعن المنظمات تساءل: هل الثلاثة آلاف منظمة تؤدي وظيفتها؟.. وأجاب بنفسه هناك أكثر من «300» منظمة أغلبها ليس لديه عمل واضح ومعظم المنظمات عملها في مجال واحد فقط. وبدأت تبعد عن الهدف الأساسي والرعاية مجرد إعلانات فقط لا غير، فهي تقوم بكتابة خطابات لجهات معينة لطلب الدعم أكثر وأي عمل آخر يمكن أن يجلب كميات من الأموال، ولكن أين توظف هذه الأموال ولا يوجد هدف واضح لها.. فطالما أنها ليس لديها موظفون وأهداف ثابتة، فالأولى أن تُدعم المنظمات ذات الأهداف والتي لها برامج ثابت.

الوطنية هدفها المساعدة

اذا حددت الدولة دور كل منظمة ومجال عملها، هذا أفضل حتى لا يختلط الأمر.
المصدر : آخر لحظة