مقالات متنوعة

برلمان بالتعيين.. العيب الأكبر


برلمان بالتعيين.. العيب الأكبر
في نهاية عام 2014م والبلاد تقترب من جولة الانتخابات الثانية في العهد الديمقراطي الرابع منذ الاستقلال، يبقى العيب السياسي الأكبر هو أن تكون السلطة التشريعية «البرلمان» جزءاً من السلطة التنفيذية، وليست مفصولة عنها كما ينبغي في مبادئ الديمقراطية التي يلوك سيرتها من يدعون الايمان بها سواء من الأحزاب الطائفية أو اليسارية التي صنعت أصلاً من «الخام الدكتاتوري» لو جاز التعبير. وحتى لو كانت السلطة التنفيذية قد تشكلت وفق عملية انتخابية نزيهة تحت أعين الرقابة الدولية، وجاء البرلمان بالتعيين، فإن هذا يعتبر طرح ديمقراطية منتقصة على الناس. وتبقى الحكومة المنتخبة بلا قيمة. فانتخاب البرلمان أولى من انتخاب رمز السيادة. وإذا نظرنا إلى المملكة البريطانية نجد أن الحياة الديمقراطية هناك يتمتع بها حتى الأجانب من العرب المسلمين وآخرهم الناشط السياسي الإسلامي الليبي عبد الحكيم بلحاج وزوجته. فقد أخطأت الحكومة البريطانية في حقهما لكن النظام الديمقراطي القائم فتح لهما المجال للتقاضي خشية من ردة فعل برلمانية عنيفة، فالبرلمان هناك منتخب، ورمز السيادة ملكة. إنها أليزابيث. فهي لا تخوض انتخابات ينافسها فيها مرشحون لمنصب الملك. وهذا ليس ضرورياً طبعاً بقدر ما أن الضروري هو انتخاب البرلمان.
إن البرلمان يمثل أغلبية الجماهير طبعاً، إذا كان نوابه منتخبين، لكن حينما يكونون معينين، فلتبشر الحكومة ـ حتى ولو كانت منتخبة ـ بتمرير أي قرار يمكن أن ترتد عاقبته على عنقها.
خبر تعيين الترابي للمرة الثانية في ظل التحول الديمقراطي والعهد الديمقراطي الرابع رئيساً للبرلمان، فبالنسبة له هو فإن طريق التعيين هو الوحيد لوصوله إلى هذا الموقع غير المستحق له. وقد وصل إليه بالتعيين في فترة ما بين الديمقراطيتين الثالثة والرابعة. واذا كان الناس يطلقون عليها فترة التمكين فإن اصحابها أهل الحركة الإسلامية المنضوين تحت لواء حزب المؤتمر الوطني يرونها فترة الاصلاح السياسي في السودان، بمعنى أن تلتفت الجماهير إلى ضرورة ممارسة القيم الديمقراطية داخل أحزابها بعيداً عن تقديس الزعماء الدائمين في رئاسة التنظيم بثقافة وطقوس بعض التجمعات المتعددة المعروفة التي تمارس طقوسها المتخلفة تحت مسمّى واحد. أكبر عيب سياسي أن تنتقل الطائفية من بعض الكيانات إلى البرلمان المفترض أن يكون هو أو المؤسسات الديمقراطية. ولسوء حظ الترابي أنه ليس صاحب كسب انتخابي منذ عام 1968م، حيث خسر نتائج انتخاب الدائرة التي نافسه فيها الحاج مضوي محمد أحمد وهي تضم منطقة ود الترابي. ثم خسر الانتخابات ايضاً عام 1986م في الديمقراطية الثالثة في دائرة الصحافة وجبرة أمام مرشح الاتحادي الديمقراطي حسن شبو. فالترابي حظه الانتخابي دائماً عاثر، ولذلك تجده يرحب بالتعيين. واذا كان قبيل قرابة ثلاثة عقود احتمال فوزه وارداً، فهو الآن غير وارد بعد تأييده وتشجيعه لتحرك 30 يونيو.
والفترة الديمقراطية الرابعة جاءت بعد قرارات الرابع من رمضان، فهو كان نافذاً من خلال «تعيينه» في الفترة بين الديمقراطيتين الأخيرتين. ولو كان مستمراً ومؤثراً على الأوضاع لما استنشقت القوى السياسية نسايم الحركة والديمقراطية ولو بقدر كما هي الآن. إن الترابي في تلك الفترة كان يسيطر على البرلمان الذي يرأسه بالتعيين، والذي كان صورة أخرى من «مجلس الشعب» في عهد نميري، ومن خلال سيطرته يسعى لتقليص صلاحيات الرئيس. ولو كان منتخباً وكان البرلمان وقتها منتخباً لوجد الناس له العذر، وقالوا لا داعي لقرارات الرابع من رمضان حتى ولو حلّت عقدة علاقات البلاد الدولية مع دول مهمة مثل دول الخليج الست، اضافة إلى مصر واريتريا وإثيوبيا باعتبارها دول جوار يبقى تحسين العلاقات معها مهماً من ناحية الأمن والاستقرار. لكنه معيّن، ومع ذلك كان يريد أن يمارس أعمال المنتخبين.
هذه التكهنات بتعيينه رئيساً لبرلمان معين لا تشمله العملية الانتخابية تأتي من عاطفة ساذجة لدى البعض، وعليهم قراءة الديمقراطية بتمعن لو كانوا يريدونها فعلاً. وحكاية أن تفاهمات بين المؤتمر الوطني والترابي ستوصل إلى تعيينه رئيساً لبرلمان معيّن، فهذا تراجع عن مشروع التحول الديمقراطي، وكما قال بروفيسور حسن مكي فإن التسوية بين البشير والترابي لن تحل مشكلات البلاد.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة