الصادق الرزيقي

الحكومة المؤقتة!!


[JUSTIFY]
الحكومة المؤقتة!!

> أربكت تصريحات بعض قيادات المؤتمر الوطني، الساحة السياسية وأغرقتها في التساؤلات، بشأن مقترح أو اتجاه لتشكيل حكومة مؤقتة يمكن ولادتها في حال موافقة أحزاب الحوار الوطني عليها، تكون مهمتها إدارة الانتخابات، ولا يزيد عمر هذه الحكومة عن ثلاثة أو ستة أشهر.. ومرد الارتباك أنه لا توجد حتى اللحظة أية توجهات فعلية من أهل الحكم أو سواهم للاتفاق حول حكومة مؤقتة، فأحزاب المعارضة ظلت تتحدث عن حكومة قومية أو انتقالية يشارك فيها الجميع دون استثناء لتدير شؤون البلاد مع المطالبة بتأجيل الانتخابات ربما لسنتين أو تزيد.
> فكرة الحكومة المؤقتة فكرة غامضة مثلها مثل الحكومة الانتقالية أو القومية، لا يوجد تعريف دقيق لها، فهي تعني عدة تفسيرات في صورتها العامة على الأقل، عند البعض في الحكومة والمعارضة، حكومة يتوافق عليها الفرقاء السياسيون برضاء تام أو للضرورة، لتتشكل من شخصيات غير حزبية أو من تكنوقراط «فنيين» تكون مهمتها محددة مثل إدارة العملية الانتخابية وإعطاء فرص متكافئة للجميع للتعبير عن برامجهم السياسية ومنع التحيزات واستخدام النفوذ وإمكانات الدولة في النشاط السياسي والانتخابي.
> ويرى فريق آخر وخاصة أحزاب المعارضة.. أن المطلوب حكومة قومية انتقالية، يشارك فيها كل الطيف السياسي بلا استثناء ويكون لها برنامج محدد وفق ما تم الاتفاق عليه، تضطلع بمهمتها التنفيذية والسياسية وتعد لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية ذات حيدة ونزاهة وشفافية.. وأهل هذه الفكرة ينزعون إلى تعبير أكثر دقةً وهدف أكثر تحديداً، هو تفكيك السلطة القائمة الآن قبل إجراء الانتخابات وتقليل نفوذ المؤتمر الوطني وضربه في مقتل.
> وقد ينظر المؤتمر الوطني وبعض حلفائه ومن توافقوا على الحوار، إلى أنه يمكن التفاهم على تشكيل حكومة من الأحزاب المنخرطة في عملية الحوار الوطني برئاسة البشير، بعد الاتفاق السياسي المتمخض عن عملية الحوار ووضع ترتيبات المرحلة المقبلة، خاصة إذا تم تأجيل الانتخابات لمدة عام أو أكثر أو أقل، وتكون هذه الحكومة بهذه الصيغة والكيفية، بادرة جيدة من أحزاب الحوار لتحفيز وتشجيع القوى السياسية ومن يحملون السلاح ليفيئوا إلى باحة التحاور وقبول قواعد اللعبة السليمة في تداول السلطة، بدلاً من النزاع والصراع المسلح.
> وفي كل هذه الحالات والتفسيرات وتأويل التوقعات بحكومة مؤقتة أو انتقالية أو قومية، فإن الأسئلة البسيطة التي ستطرح، تتعلق بوضع السيد رئيس الجمهورية، هل ستجرى انتخابات رئاسية فقط وتؤجل النيابية ويشكل الرئيس بعد تفويضه انتخابياً الحكومة التي تحقق مقصد التوافق؟ أم يتم تجديد للرئيس ويفوَّض من قبل التكوينات السياسية ليقود ويشرف على الحكومة بأية صيغة جاءت بها لتشرف على الانتخابات وتحل بانتهاء مهمتها؟
> ثم ما هي القوى السياسية التي ستشارك في هذه الحكومة المقترحة؟ فهناك أحزاب ذات وزن شعبي ووجود فعلي على الأرض ولها قواعد تؤهلها لخوض الانتخابات وتمثيل قطاعات واسعة من الشعب، بينما توجد أحزاب مجهرية صغيرة لا تراها العين، ليس بمقدورها على الإطلاق تحقيق نجاحات انتخابية تمهد لها الطريق للمشاركة في الحكم وفق وزنها الانتخابي والتفويض الشعبي.. فمثل هذه الأحزاب هي الأكثر إثارةً للضجة حول تشكيل الحكومة المقترحة لأنها تعلم علم اليقين أنه لا سبيل غير دغمها في مثل هذه الترتيبات الحكومية الاستثنائية الطارئة.
> على كلٍ .. فإن أي اتجاه لتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة مؤقتة أو قومية أو انتقالية، رهين باتفاق سياسي شامل تتوافق فيه كل القوى السياسية والأحزاب ومكونات العمل الحزبي والسياسي والمجموعات المسلحة، لأنه في حال حدوثه تنتهي الأزمات الطاحنة في البلاد ويقرُّ الجميع بأهمية التحول الديمقراطي وتداول السلطة سلمياً، دون الحاجة لحمل السلاح أو المواجهات بكل صنوفها.
> وفي نهاية الأمر.. لا يفيد الحديث عن حكومة مؤقتة الآن قبل الفراغ من عملية الحوار الوطني، فهذه من مخرجات العملية وليس من موضوعاتها المحسومة، وليس من الحكمة الاعتماد فقط على وجود آراء مؤيدة من صف المعارضة مثل موقف المؤتمر الشعبي من التعديلات الدستورية لتعيين الولاة من قبل رئيس الجمهورية، أو إجراء الانتخابات الرئاسية فقط وتأجيل البرلمانية.
> وعلى المؤتمر الوطني في هذه المرحلة قبل الحديث عن تشكيل «حكومات»، البحث عن أكبر قدر من التوافق والتأييد لمقترحاته، حتى تشعر الساحة السياسية بحالة من الهدوء والاسترخاء لتسهيل الحوار والاتفاق على مخرج من حالة الشد والجذب والجدال العقيم في لا شيء.
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة