الصادق الرزيقي

رهانات واشنطون الخائبة

[JUSTIFY]
رهانات واشنطون الخائبة

> إبداء الإدارة الأمريكية رغبتها في التفاوض والحوار المباشر مع السودان، يعني أن تحولات كبيرة حدثت وحسابات عديدة أُجريت وبات معها الطريق شبه ممهد للتفاهم بعد الفشل المريع الذي لازم السياسة الأمريكية في المنطقة وحصاد الهشيم الذي جنته وقد انقلب عليها سحرها، كما هو الحال في دولة الجنوب التي كان الرهان عليها لتكون شوكة في خاصرة السودان وعظماً في حلق منطقة الشرق الإفريقي، ولم تنتبه الولايات المتحدة لتجد وليدها الذي رعته وولدته من رحمها، مهيض الجناح يعاني من كل أنواع السقام والمرض والعجز ولا تؤهله ظروفه وحروباته أن يقوى عليها ويقف على قدميه.
> وراهنت واشنطون كذلك على أن السودان بفعل الحصار والعقوبات والحروبات في دارفور والمنطقتين، وانقطاع عائدات بترول جنوب السودان والتدهور الاقتصادي، سينهار كدولة ويسقط نظامه في شهور قليلة، وسترث الحركات المتمردة خاصة الجبهة الثورية وحلفائها بالداخل السلطة بعد سقوط السلطة القائمة، ويُصاغ السودان من جديد وفق الرؤية الأمريكانية التي ترى ضرورة سلخه من هويته وتاريخه وانتمائه ليعود بلداً إفريقياً قحاً لا مجال فيه لأي انتماء آخر.
> ومشكلة أمريكا مع السودان أن ملفه لا تديره في واشنطون عقول متفتحة لمفكرين ومخططين إستراتيجيين وساسة محترفين، فقد تُرك هذا الملف وعلاقاته الأفقية والرأسية للناشطين الأمريكيين وبعضهم من الدرجة العاشرة يعبثون به كيف شاءوا ويقدمون رؤى وتصورات مبتسرة ومضللة لصناع القرار في البيت الأبيض والإدارات المختلفة والكونغرس.
> ووجدت واشنطون نفسها عند مفترق طرق وهي تحارب في أكثر من جبهة، وتتعاطى مع ملفات دولية كثيرة، وغرقت في وحول الأزمات العالمية، لتجد أن هذه المنطقة من إفريقيا قد أُديرت بتوجهات طائشة غير دقيقة كان قوامها ومحركوها الناشطين والمنظمات المتطرفة المتغلغلة في عصب القرار السياسي الأمريكي ومجموعات المصالح وجماعات الضغط ذات المصلحة في الدعاية السياسية الهوجاء.. وخير دليل على ذلك، أنه في غلواء الأزمة في دارفور كان مركز القرار بشأن السودان لدى المنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط، ولم يكن البيت الأبيض إلا صدى يرجِّع بما تفعله وتقوله وتعوي به هذه المنظمات والجماعات والناشطون، مضاف إليهم بعض أبناء دارفور من الحركات المتمردة تؤازرهم الحركة الشعبية التي كانت والغة في كل مراحل النزاع الدارفوري وما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق. فما الذي يحدث الآن ويجعل السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، يرفع سماعة الهاتف ليتحدث مع السيد علي كرتي وزير الخارجية، ويعرب عن رغبة بلاده في التفاوض المباشر مع السودان؟
> الإجابة ليست صعبة.. فالظروف الإقليمية وجوار السودان المضطرب في ليبيا ومصر ودولة الجنوب وإفريقيا الوسطى والتطورات الجارية في المنطقة العربية، وظهور تيارات متطرفة أقلقت المضجع العربي، والاختلال الاستراتيجي الذي يضرب المنطقة بقوة بتحولاته الهائلة وانتقالات واعتلالات توازن القوى، يفرض واقعاً جديداً لا بد من التعامل معه بجدية تكفي لاحتواء آثاره ومضاعفاته على المصالح الأمريكية.
> ولا تخفى على الإدارة الأمريكية حقيقة مهمة، أن النظام في السودان ظل متماسكاً وقوياً رغم كل العواصف التي واجهته والزلازل القوية التي اجتاحته، فهو أشد صلابةً ومنعةً من معارضته السياسية والعسكرية التي توفرت لها كل الأسباب للانقضاض عليه، ففشلت في اقتلاعه وعجزت عن إزاحته ومواجهته، ورأت بأم أعينها كيف تتهاوى الصروح التي شيدتها في دولة الجنوب وفي الإقليم كله، وهذه الحقائق لم تكن لتغيب عن الأعين وتقديراتها، ولا تحتجب خفاياها عن مجسات الرصد والتقييم.
> وتواجه الفترة المتبقية من ولاية الرئيس باراك أوباما، تحديات كبيرة للديمقراطيين أمام خصم شرس متلهف للسلطة التي غاب عنها ثماني سنوات بانتهاء ولاية الرئيس الحالي، فاذا كانت السياسة الخارجية في عهد أوباما قد تراجعت ووصفت بالضعف وتضييع مصالح حيوية، نظراً للتردد في ملفي سوريا وأوكرانيا وطريقة معالجة الملف الإيراني، فإن هناك من يريد في هذه اللحظة اللحاق بما يمكن الجري خلفه، واستعادة المبادرة وصناعة واقع سياسي جديد، وتقليل الفرص الضائعة وإعادة ملء الفراغ الذي خلفته موجات الفشل السابقة.. فوجدت الصين مكاناً شاغراً فاحتلته.
«نواصل».
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة