«ثورة التعليم» التمرد المطلوب بوسط دارفور
إذا كان المهم الآن وقبل الآن في ولايات دارفور هو ملف السلام، فإن الأهم ـ ولتأسيس معطيات تحقيق السلام ـ يبقى هو التعليم. والآن وبقوة يندلع تمرد من نوع آخر لكنه هذه المرة ايجابي في ولاية وسط دارفور. هو تمرد ضد الأمية، وبالتالي ضد غياب الوعي الشرعي والاجتماعي الذي يضمن حفظ النسيج الاجتماعي بين السكان، إنها ثورة التعليم «التعليم.. التعليم».. والتكرار أقتبسه من عنوان في كتاب التاريخ للصف الرابع الابتدائي حينما كنا ندرس في النصف الثاني من عقد السبعينيات، وقد كان ذاك هو «القطن.. القطن». وكان أستاذ التاريخ الخال الأستاذ عمر علي الريلة «الرجل الخارق» كما كنا نلقبه سراً، يحمل صافرة بين شفتيه يخبئها منا في الفصل وهو مستند على الجدار الخلفي، فيطلق صوتها بنفخة شديدة. ويصيح «القطن.. القطن». والآن يرتسم في خيالي هذا المشهد، فيقف وزير التعليم بولاية وسط دارفور الدكتور طلحة محمد الزبير، ويطلق صافرة انطلاق ثورة التعليم هناك ويصيح «التعليم.. التعليم». والوزير طلحة بقيادته لهذا «التمرد» على الأمية والجهل والتجهيل يتحرك بنشاط دؤوب لاستقطاب كل ما يسهم في بناء مرتكزات محاربة الأمية والفقر في ولايته وهو التعليم. «التعليم.. التعليم» وفي ظل رعاية والي وسط دارفور الشرتاي جعفر عبد الحكم لثورة التعليم بالولاية، فإن الوزير د. طلحة تمتد جهوده لهذه المهمة خارج ولايته، حيث التقى أخيراً وزيرة التربية والتعليم الاتحادية سعاد عبد الرازق، فيجني من لقائه هذا استعدادها الذي أبدته لدعم الوظائف التعليمية والمعلمين بوسط دارفور. إذن الوزيرة الاتحادية تدعم التمرد على الأمية والجهل وتثمن النضال في ذلك. ودكتور طلحة تزيد جهوده في هذا النضال بالتوقيع على اتفاق شراكة ذكية بين وزارتي التعليم في ولايتي وسط دارفور والخرطوم لتدريب معلمي وسط دارفور، والاستفادة من خبرة الولاية الأخرى في هذا المجال الأهم الذي يؤسس لتحقيق التنمية الريفية والسلام الدائم مستقبلاً، فمن ناحية الأمن والاستقرار بعد ذلك لا يستمر الفرق بين اقليم دارفور والاقليم الشمالي أو الشرقي مثلاً. فلا بد ألا يشعر المواطن السوداني في أية منطقة سودانية بأي فرق بين اقليم وآخر في أي مجال أو في أي أمر، وهذا يؤسس له التعليم.. والتعليم يحتاج بالطبع لمن يثور له.. فتكون الثورة.. ثورة التعليم.. ويكون التمرد الإيجابي على الأمية والجهل، ويكون النضال الحقيقي.
ويبدو أن ثورة التعليم بوسط دارفور تستوعب أيضاً البعد الايماني الضروري لمعالجة النزاعات القبلية الحادة، حتى ولو كانت الولاية تخلو منها، فإن الوقاية خير من العلاج فلا تحدث مستقبلاً بتحصين المجتمع بفكرة المدارس القرآنية. وقد حظيت ولاية وسط دارفور بتبرع المفوضية القومية للإيرادات لدعمها بخمسين مسجداً دعماً لمدارس تاج الحافظين والمدارس القرآنية.. ويدخل كل هذا في دائرة الثورة التعليمية التي يقودها الوالي عبد الحكم راعي التعليم بالولاية، ووزير التعليم دكتور طلحة محمد الزبير. لنعترف جميعاً بأن الفجوة التعليمية التي تعمَّد إحداثها الاحتلال البريطاني من خلال مشروعه التآمري المسمى وقتها بالمناطق المقفولة، وإهمال الحكومة الوطنية المنتخبة مثل حكومتي الأزهري وعبد الله خليل والمسلّمة للقائد العام للجيش عبود، ووليدة مؤامرة «21 أكتوبر» والانقلابية عام 1969م والمنتخبة عام 1986م.. كل هذه الحكومات إهمالها سد فجوة التعليم تسبب في ظهور أجيال هناك أغلبها أمي وفاقد تربوي، مما سهل إشعال الفتن القبلية.
لكن ثورة التعليم في بداية التسعينيات وامتدادها الآن في وسط دارفور، تبقى هي «السد الحقيقي» لهذه الفجوة. ونتمنى أن تجد الثورة التعليمية تقصير ظلال في بقية الولايات الأخرى أسوة بولاية وسط دارفور. ونتمنى أن تقرن الحكومة الاتحادية الأقوال بالأفعال في وعودها لدعم التعليم العام حتى توفر ما يمكن أن تخسره مستقبلاً في فواتير النزاعات القبلية وغيرها.. مما ينسف الأمن والاستقرار.. فالتعليم هو الأساس. «التعليم.. التعليم».
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة