كيفية إنعاش الأدمغة المُسِنة لتنشيط الذاكرة
تظل المشكلة الخاصة بتراجع القدرات الذهنية المرتبطة بالذاكرة واحدة من المشكلات العضال التي تواجه الأشخاص كلما تقدموا في العمر. وفي إطار حديثها عن سبل مواجهة تلك الإشكالية التي يتحول فيها الدماغ إلى دماغ مُسِن يصعب عليه تذكر الأشياء ( ومنها ما سبق لصاحبه أن قام بقراءته من كتب أو شاهده من أفلام أو تناوله من أطعمة ) – تكتب الباحثة باربرا ستراوش، المحررة بقسم الصحة في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية، وصاحبة كتاب ( الحياة السرية للدماغ مكتمل النمو ) الذي سينشر في نيسان / أبريل المقبل، تقريرًا حول السبل التي يمكن من خلالها تدريب أدمغة المسنين ليتم تنشيطها وإنعاش قدرتها على تذكر الأشياء.
وفي بداية حديثها، تقول ستراوش إن الأدمغة خلال مرحلة منتصف العمر، التي تمتد الآن من الأربعينات وحتى نهاية الستينات، قد بات من السهل صرف انتباهها هي الأخرى. وتشير إلى أن الأدمغة المُسِنة، حتى إن كان أصحابها في منتصف أعمارهم السنية، تقع الآن في ما يسمى بالوضع الافتراضي، الذي يجوب فيه العقل ويبدأ في خوض تجربة أحلام اليقظة. وهنا، تبزغ تساؤلات من بينها، هل للأدمغة المتقدمة في العمر أن تتعلم، ومن ثم تذكر ما تعلمته ؟ وهو ما أكدته ستراوش، بالقول إنه وفي الوقت الذي يكون فيه من المغري التركيز على نقاط الضعف في أدمغة المسنين، يذهب هذا الإغراء ليغفل القدرات التي باتت تتميز بها الآن. وتلفت إلى أن الباحثين قاموا على مدار السنوات الماضية بأخذ نظرة أكثر عمقًا عن الطريقة التي تصاب من خلالها الأدمغة بالشيخوخة وأكدوا أنها تواصل النمو أثناء منتصف العمر وما بعده.
وعلى عكس الاعتقادات التي كانت تسود في الماضي، ومنها أن 40 % من خلايا الدماغ يتم فقدانها، تبين الآن أن ما تكتظ به الرأس من معلومات ربما تظل كما هي ولا تختفي، لكن تتواري ببساطة في طيات خلايا الإنسان العصبية. وهو ما بررته علميًا دكتور ديبورا بيرك، أستاذ علم النفس في كلية بومونا بكاليفورنيا، بإشارتها إلى أن الحوادث التي يكون فيها الأشخاص على دراية ببعض الأشياء من دون أن يتمكنوا من تذكرها، تتزايد بصورة جزئية لأن الوصلات العصبية، التي تستقبل، وتدير، وتنقل المعلومات، من الممكن أن تضعف إما نتيجة لعدم الاستخدام أو للتقدم في العمر. وقد وجدت ديبورا أيضًا أن تشابه الأصوات ربما يساعد ( بصورة أوتوماتيكية وغير ملحوظة ) على ظهور الأسماء أو الأشياء التي يحاول الأشخاص تذكرها ذات فجأة بالدماغ.
في حين نجح الباحثون أخيرًا في الكشف عن مزيد من الأخبار الإيجابية، بقولهم إن الدماغ بينما يقوم باجتياز مرحلة منتصف العمر يصبح أفضل في ما يتعلق بالتعرف على الفكرة المركزية، أو الصورة الكبيرة. وإذا ما نجح في الاحتفاظ بوضعية جيدة، فيكون بمقدوره أن يستمر في بناء مسارات تساعد صاحبه في التعرف على نماذج، وأن يرى، نتيجة لذلك، أهمية الأشياء وحتى الحلول بصورة أسرع من الأشخاص صغار السن. فيما تعاود ستراوش لتؤكد على أن الجهد يتركز الآن على إيجاد سبل يكون من شأنها الإبقاء على وصلات الدماغ في وضعية جيدة وإنماء المزيد منها.
من جهتها، تقول كاثلين تيلور، الأستاذ في كلية سانت ماري بكاليفورنيا، التي قامت بدراسة طرق تعني بتعليم البالغين بصورة فاعلة :” يحظى الدماغ بطبيعة بلاستيكية وهو في حالة تغيير مستمر، لا في زيادة الحجم، وإنما بسماحه لمزيد من التعقيد والتعمق في الفهم بشكل أكبر. ربما لم نكن نتعلم دائمًا بصورة سريعة عندما كنَّا بالغين، لكننا نتحضر لتلك الخطوة التنموية المقبلة”. وتشير إلى أن الاهتمام بتعليم حقائق جديدة لا ينبغي أن يكون المحور الرئيسي في تعليم الكبار. فاستمرار نمو الدماغ ووجود شكل أكثر ثراء من أشكال التعلم قد تتطلب منك “الاصطدام بالأشخاص والأفكار” الذين تختلف معهم. وتتابع دكتور تايلور حديثها مع الصحيفة بالقول :” هناك مساحة للمعلومات. ونحن بحاجة لمعرفة الأشياء. لكن علينا أن نتجاوز ذلك ونتحدى تصورنا للعالم. فإن كنت تحوم حول من تتفق معهم وتقرأ أشياء تتفق مع ما تعرفه بالفعل، فإنك لن تذهب لتتصارع مع وصلات دماغك “.
وهنا، تؤكد ستراوش على أن مثل هذا التمدد هو بالضبط ما يصفه العلماء بأنه الطريقة الأمثل للإبقاء على الدماغ في حالة تناغم: من خلال الخروج من منطقة الراحة لحفز وتغذية الدماغ. في حين يختم دكتور جاك ميزرو، الأستاذ الفخري بكلية المعلمين في جامعة كولومبيا، بقوله :” يتعلم الكبار بصورة أفضل إذا عُرِض عليهم ما يطلق عليها (المعضلة الأحدث ارتباكًا ) أو ذلك الشيء الذي يساعدك بشكل كبير على التفكير في الافتراضات التي قمت باكتسابها. ويعتبر مثل هذا الكشف الجديد واحدًا من الأمور الأساسية بالنسبة لتعليم الكبار. فعندما نكون كبارًا تتكون لدينا كافة مسارات الدماغ هذه، ونكون في حاجة للنظر في رؤانا بصورة حاسمة. وتلك هي الطريقة المثلى لتعليم الكبار. وإن فعلنا ذلك، فإننا سنتمكن من الإبقاء على درجة ذكائنا”.
المصدر : ايلاف