مقالات متنوعة

المشير والشيخ.. ما وراء الحكاية..!!

المشير والشيخ.. ما وراء الحكاية..!!
في ختام جلسات المؤتمر العام للحزب الحاكم اعتلى الشيخ الترابي المنبر.. اهتزت القاعة المحشوة بأخوان السودان.. ترحيباً فاق توقعات الشيخ الترابي الذي بدا يقلب بصره كأنه يستعرض وجوه الحاضرين.. المفاجأة أن ابتسامة رضاء علت وجه المشير البشير وثقت لها عدسات كاميرا ذكية.. بيد أن الكاميرا لم تنتقل إلى وجوه قيادات تأريخية أخرى بحجم نافع علي نافع، والأستاذ علي عثمان؛ حتى تكتمل الصورة.
حكاية المشير والشيخ لم تبدأ هنا.. قبل نحو عام قام المشير البشير بأكثر من زيارة خاطفة وسرية إلى مقر إقامة شيخ الترابي في المنشية.. كل الزيارات الاستفتاحية كان البشير لا يرافقه سوى سائقه الشخصي الذي يظل بعيداً عن غرفة الشيخ المخصصة للمباحثات المهمة.. كثير من المراقبين يربطون تحسن العلاقات بين الرجلين بسبب ما حدث في مصر.. إلا أن الأمر في تقديري الشخصي أكبر من الإحساس بالخطر الذي ولده ظلم الإخوان في مصر.. الدليل على ذلك أن الحكومة السودانية تعاملت لاحقاً بواقعية مع ملف الإخوان في مصر، وأغلقت في وجههم مجرد المشاركة المراسمية في فعاليات إعادة تقديم المشير إلى رئاسة الجمهورية.
الثابت أن خطوات التقارب جاءت بمبادرة من الترابي تلقفها المشير البشير.. سنعود لاحقاً وفي عمود آخر لنجتهد في قراءة الشيخ للأحداث.. تحمس الرئيس البشير لخطوات اليد البيضاء التي قدمها الترابي، وبدأ في تنفيذ ما يطمئن الشيخ.. الترابي كان دائماً يعتقد أن العسكريين الإسلاميين لم يكن بمقدورهم أن يشقوا عصا الطاعة عليه إن لم يؤازرهم تلاميذه في التنظيم.. لهذا كان الغضب على العسكريين أقل درجة.. إبعاد قيادات بحجم الأستاذ علي عثمان، ودكتور نافع علي نافع، كان قوة دفع جيدة لهذا التقارب الجديد.
إلا أن السؤال ماذا يستفيد المشير البشير من سند شيخ دخل الثمانين.. المسألة الأولى تبدو معنوية معززة بالعاطفة الأخوانية.. يظلّ الترابي لكل إخوان السودان رقماً عصياً على التجاوز.. بل المقولة السائدة إن داخل كل أخ مسلم ترابي صغير تعضد هذا التقدير.. في سنوات المفاصلة الأولى كان رجال السلطة يتجنبون نظرات الشيخ الترابي حتى في المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح.. لهذا إذا تمكن المشير البشير من انتزاع إقرار من الشيخ الترابي بأنه رجل المرحلة فسيكون هذا كسب معنوي كبير لرجل حسم كل معاركه داخل التنظيم استناداً على عصا السلطة الباطشة.
تأييد الترابي للمشير البشير الذي بدأ بدخول الشيخ في مرحلة الصمت السياسي، وانتهى بهرولته إلى جميع مناسبات الحزب الحاكم، ستكون بطاقة ضغط بيد الرئيس البشير.. سيشعر الرئيس أنه يتعامل مباشرة مع منتج الفكرة بدلاً عن الوكلاء المغضوب عليهم.. بالفعل أثمر ذلك التأييد في تعظيم المكاسب السياسية التي حققها المشير البشير في المؤتمر الرابع للحزب الحاكم، والتي جعلته قاب قوسين أو أدني من دخول ربع القرن الثاني في حكم السودان.
الأهم من كل ذلك أن المشير البشير سيحقق كل تلك المنافع السياسية دون أدنى كلفة سياسية.. المشير البشير لن يكون طامحاً في حكم السودان في انتخابات ٢٠٢٠.. كما إن معظم المنافسين بما فيهم الشيخ الترابي سيكونون قد دخلوا خريف العمر السياسي.. بمعنى إن توحد الإسلاميون سيكون البشير هو مهندس الخلافة السياسية بلا منازع.
بصراحة.. بعد ربع قرن من الحكم أصبح الرئيس البشير الأكثر قدرة على ممارسة التكتيك السياسي.. أنهى الرجل الصراع داخل حزبه إلى توافق كل الأجنحة على قيادته.. حيد الميرغني من المنافسة الشرسة التي كان عنوانها سلم تسلم.. كما تمكن البشير من نزع مخالب الإمام المهدي بعد أن اجتبى ابنه الأكبر مساعداً له في القصر الرئاسي.. الآن جاء الدور على شيخ الحركة الإسلامية الذي عرف بخياله الإستراتيجي.. كيف تنتهي المعركة؟، غدا نلتقي إذا

تراسيم – عبدالباقي الظافر
صحيفة التيار