منى سلمان

رايعة يانعة في نظار البرتكانة (1)

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] رايعة يانعة في نظار البرتكانة (1) [/B][/CENTER]

عندما تكون مطمئنا بأن اسرتك وابنائك واحبابك الاقربين لقلبك ودمك بخير، ومعافين من ابلاءات المال والنفس والبدن ، فربما لن تكلف نفسك عناء التفكير في من يعيش تلك المحن طالما ظلت في حيّز الشر الـ (بره وبعيد)، إلا إذا حكمت الظروف بمقاربة أو فتحت لك طاقة تطل عبرها لدنيا هؤلاء، لتشعر بعظم نعمة معافاتك ومن تحب من الابتلاءات، وتثني على ربّك بـ (الحمد الله الذي عافانا من كثير مما ابتلا به خلقه وفضلنا تفضيلا).
إذا رغبت في تحسس نعمة عافية البدن فكل ما عليك هو الطواف بأقسام الحوادث في اقرب المستشفيات إليك، وشكر عافية المال وان شح وندر قد يلزمك بزيارة خاطفة لحراسة المتعسرين، إلا عافية النفس فلا تستطيع حصر انعم الله بها عليك، لانك ببساطة لا تستطيع الالمام بكافة صنوف ابتلاءات النفوس وشقواتها ..
لطالما راودتني الرغبة في زيارة اربعة أماكن .. دار العجزة والمسنين، دار الاطفال فاقدي السند بالمايقوما، سجن النساء واصلاحية الاحداث، فبين جنبات هذا المربع تكمن مؤشرات عافية مجتمعنا وعمق ابتلاءاته، لذلك ما زلت اذكر يوم أن واتتني الفرصة عن طريق دعوة حملها بريدي من دار تربية الاشبال بالجريف غرب لحضور تخريج منظمة تنمية اليافعين، وكأنه حدث بالأمس، وللحقيقة فقد تعودت قبلها على تجاهل الدعوات التي تردني للمشاركة في الفعاليات العامة، إلا أن هذه الدعوة كانت كنافذة فتحت لأطل من خلالها على مآل دنياوات فلذات الاكباد عندما تحيد عن الطريق السوي ..
قمت بلزوم ما يلزم من التحنيسات لاقناع (سيد الاسم) ليتكرم بإيصالي للدار وخيرا فعلت، فلولا ذلك لظللت حتى الآن (ألوص) بين شوارع وجخانين الجريفات، فالمكان (غايس) ولا يوجد امام مدخله من مظاهر الحياة غير مجموعة من الجنود وعربة بجوار بقايا حائط قديم متهدم .. سألناهم:
الاصلاحية بي وين يا سعاداتكم ؟ فأجابونا بأن (وصلتوا .. بس خشوا لي قدام شوية) !
خشينا لـ قدام كتير وعبرنا تلال ورمال وبضع مباني يبدو من طرازها انها من زمن (التركية السابقة) .. ده مصطلح للتدليل على القدم الشديد كانت تستعمله أمي بجانب (زمن حبوبتي بي رحطا) و(سنة حفرو البحر) ! ..
ما علينا، وصلنا لبوابة عبرناها لساحة تحفها بعض الاشجار الظليلة اقيمت في منتصفها خيمة الاحتفال، نزلنا من السيارة مع بداية زفة الخريجين .. وقفت اتأمل في ملامح وسحنات الصبيان والبنات الذين اصطفوا في طابور خلف الفرقة الموسيقية .. اول ما لفت نظري (عدم) وجود أي علامات مميزة من (ضربة شومة أو لطشة مطوة على قول عادل امام) كما قد يتبادر إلى اذهاننا كلما حاولنا رسم صورة لملامح هؤلاء، بل كانت وجوههم تحمل ملامح أولادنا وبناتنا الصغار بما فيها من فتوة وصحة واقبال على الحياة ..
جلسنا في احد جوانب الخيمة وسرعان ما دخلت في ثنائية مع سيدة جلست بجواري وحفتنّي بلطفها ورعايتها .. غمرتها بفيض من تساؤلاتي عندما علمت انها تعمل بالرعاية النفسية لنزلاء الدار، فلم تبخل علي بالتنوير ..
بدأ التقديم لفقرات البرنامج على خلفية أغنية (شوفي الزمن يا يمة ساقني بعيد خلاص) وسط فيضان المشاعر ونوع غريب من التناغم وإلفه ظاهرة لا تخطئها العين بين المسئولين والنزلاء وكأنهم افراد اسرة واحدة .. تابعت حركة مجموعة من الفتيات اليافعات كن ضمن ركب الخريجين، ثم بعد نهاية الطابور انخرطن بهمة ونشاط مشوب بالروقة والهدوء في تقديم الضيافة للحضور، حقيقة شدتني العناية الظاهرة بتسريحات الشعر والزينة الخفيفة دون تكلف والتي اضفت لمسة الق وجمال للوجوه المفعمة برونق الصبا والشباب .. هندامهن المرتب، كان عبارة عن زي موحد مكون من اسكيرت مشجر فوقه قميص وطرحة بالون التركواز الخفيف .. ملت على مضيفتي وسألتها عن طبيعة العثرات التي يمكن ان تؤدي بـ (صبية رائعة يانعة وفي نضارة البرتكانة) لهذا المآل، فأجابتني بأن المسئول الاول عن وجود هؤلاء اليافعين واليافعات هو جهل وغفلة الاباء والامهات والاسر المفككة والظروف المعيشية الصعبة، لذلك فان اغلب الموجودات تتراوح تهمهن بين السرقة والآداب ..
انقطع الحديث بيننا بصعود طفل صغير لم يتجاوز الحادية عشر من عمره لخشبة المسرح .. لفتتني رفيقتي لمتابعة الفقرة التي يؤديها وكان يلقي ابيات من الدوبيت بصوت رخيم وحنون يدفعك دفعا للرغبة في البكاء حتى ولو لم تستبين الفاظه، أو هكذا كان احساسي به فقد اعترضت حلقي غصة سرعان ما تحولت لشنهفة والبكاء .. عندما روت لي رفيقتي مأساة ذلك الطفل، وسبب وجوده في الدار لقضاء (حكم وديّة) لقتله بالخطأ رفيق لعبه وزميله في المدرسة .. الخلا علي أمه !
يتبع
[/JUSTIFY][/SIZE]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

تعليق واحد

  1. [SIZE=7]ما اروعك ما اجملك ايها الانسانة العظيمة و انت تحملين بداخلك نفس كبيرة مملؤة بالخير و حب الناس و الشفقة على الغلابا و المساكين .[/SIZE]