مقالات متنوعة

في قناة الخرطوم.. ما الذي يحدث؟!


في قناة الخرطوم.. ما الذي يحدث؟!
لعل ما أكسب قناة الخرطوم هذا التميز الذي يقف وراءه سحر الإدارة ــ وللإدارة أحياناً سحر ــ هو فكرة العزيمة. فقد كنا ننتظر أن يأتي الوقت الذي تخرج فيه من الفضاء هذه القناة، وكأنه أمر محتوم، ونحن نرى بعض اخواتها الحكوميات وقبلها غير الحكوميات يلفظن الفضاء لأن إداراتهن انتظرت التمويل للتشغيل على طريقة الاحتراف الداخلي، لكن حكومة في دولة فقيرة مثل السودان تحيط بها التحديات بكل أنواعها وجهاتها لا يسعها أن تتعامل مع الوسائط الإعلامية «الأخرى»، أي غير إذاعة وتلفزيون أم درمان القوميتين بطريقة مد الوقود للاحتراق الداخلي للتشغيل دون انتظار عائد يدعم إيرادات الدولة الفقيرة.
وكل الأسباب التي وقفت وراء إيقاف أو توقف عدد كبير من الإذاعات والقنوات خلال أكثر من عقد «عشر سنوات»، جزء كبير منها إن لم تكن كلها يقف الآن وراء تهديد قناة الخرطوم بالتوقف من البث والخروج من الفضاء، دون العودة إلى «الأرضي»، لكن سحر الإدارة المتمثل في عدم الاعتماد الكامل على حكومة الخرطوم وفي نفس الوقت اختيار العاملين الجهابذة في مختلف المستويات، هو الذي نجت به من اللحاق بتلك الإذعات والقنوات التي فشلت إداراتها رغم التمويل. وبعد فشلها زيد الطين بلة بمطالبة بعض أصحاب الإدارات الفاشلة بحقوقهم القانونية. بمعنى المثل الشعبي القائل «جابوه فزعة بقى وجعة».
قناة الخرطوم كان لا بد أن تحقق هذا النجاح الفضائي الباهي، وهي تؤسس لمنهج رأي ورأي آخر من خلال بعض برامجها ذات طبيعة الاتصال المباشر بالجمهور كيف لا.. ويقود هذا الفريق الصحافي المعروف الأستاذ عابد سيد أحمد، والفريق «ما شاء الله عليه» يضم خبراء اذاعيين وتلفزيونيين مثل مبارك خاطر وعصام الدين الصايغ ويسرية محمد الحسن وكفاح علي حسين وحسن محمد علي وعبد الحميد كيما وعمر الجزلي وعبد الله الأصم والقائمة تطول. إن هؤلاء مع بقية زملائهم هزموا بجدارة تلك الأسباب التي وقفت وراء فشل تلك الإذاعات والقنوات رغم تمويل الحكومة لها.
لكن ما مناسبة هذه المقدمة الطويلة؟! إن المناسبة هي ما رشح أخيراً في الأخبار حول قرار فصل لعاملين بهذه القناة الناجحة، وإيراد رقم خرافي هو «40 عاملاً». وقبل أن ترد نقابة العاملين بإذاعة وتلفزيون الخرطوم ظننت بحكم معرفتي لنظام العمل في البلاد أن هؤلاء من المتعاونين خارج الخدمة المدنية التي يكون فيها الفصل التعسفي تحت مسمى «الصالح العام» إذا كان قبل المعاش الإجباري أو لم يكن معاشاً اختيارياً.
المعاش سواء إجباري حين بلوغ الستين من العمر أو اختياري لا يكون جماعياً طبعاً، وإن كان لا يصل في مؤسسة واحدة هذا الرقم «40» عاملاً. والفصل التعسفي تحت مسمى الصالح العام هو برنامج ما عادت الحكومة بعد أكثر من ربع قرن من الزمان في حاجة إليه. اذن ما الذي يحدث هناك في قناة الخرطوم؟!
في صبيحة اليوم التالي من الخبر الغريب جاء رد نقابة العاملين في شكل بيان يوضح أن ما حدث هو أن «المفصولين» ليس بالضرورة أن يوصفوا بأنهم مفصولون، بل أن ما استوعبوا من أجله هو عمل موسمي وانقضت فترته، والطريق مفتوح لهم في فرصة أخرى مماثلة لتلك التي فتحت لهم من قبل.
ومضمون هذا البيان لم يكن بهذه العبارات، ولكن هذا تفسيره في رأيي، وقد خلصت من هذا البيان الى أن هؤلاء المفصولين لا علاقة لهم بهذه النقابة، وهذا وحده أبلغ دليل على أن الأمر كان تعييناً موسمياً على طريقة مصانع السكر مع بعض العاملين.
نريد نجاحاً إدارياً في بقية المؤسسات الإعلامية أسوة بقناة الخرطوم. وحتى في التلفزيون القومي نريد من يضيف الفكرة إلى التمويل الشحيح، حتى لا يكرر مديره الجديد الهروب باستقالة أخرى.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة