مقالات متنوعة

إلى السيد رئيس الجمهورية.. هذا أوان الحسم


إلى السيد رئيس الجمهورية.. هذا أوان الحسم
لا أجدُ أكثر أهمية الآن من أن تنصرف الأذهان نحو التفكير في الهم الأكبر لهذا الوطن المأزوم، وفي الهدف الإستراتيجي للحوار الوطني المنصوص عليه في خارطة الطريق، المُجازة خلال الأيام القليلة الماضية من قبل الجمعية العمومية للأحزاب المتحاورة.

تنصُ خارطة الطريق على أن أهم غايات وأهداف الحوار تتمثل في إنشاء (دولة عادلة وراشدة ونظام سياسي فاعل).

دعوة السيد رئيس الجمهورية للقوى والأحزاب السياسية للحوار الوطني، وإقرار هذه الصيغة الجامعة المانعة التي تهدف لإنشاء الدولة السودانية على قيم العدالة والحكم الراشد، وفق نظام سياسي فاعل يمثل اعترافاً كبيراً أن ذلك ما نحتاج إلى أن يتواثق عليه جميع القوى والمكونات السياسية السودانية، مما نفتقده اليوم ومما ينبغي أن نمضي صوبه بقوة.

هذا يقتضي أن نعتبر خريطة الطريق المجازة مرجعية علياً ودستوراً متراضٍ عليه من الجميع، وأول من ينبغي أن يكون الأكثر التزاماً بهذه المرجعية هو المؤتمر الوطني، أو قل الحكومة، بل أقولها ضربة لازب هو السيد رئيس الجمهورية.

هناك قوى رافضة للحوار حتى الآن، أو مترددة في الانتظام في آلياته الحالية، بعضها داخل الوطن والآخر المتمثل في الحركات المسلحة يقيم الآن في الخارج، وكل هؤلاء وأولئك يشك كثيراً في التزام الحكومة بما يتفق عليه، وذلك ما يدعونا إلى أن نقولها دون تردد أن 100% من أوراق نجاح الحوار في هذه اللحظة التاريخية بيد الرئيس البشير.

بناء الثقة هو الذي يمكن أن يدفع بالحوار إلى نهاياته، وهو الذي يضع الكرة في مرمى الرافضين للحوار، ولا أحد يستطيع أن يدفع ببناء الثقة إلى الأمام غير سلوك الحكومة وأجهزتها الأمنية، خاصة في الالتزام بخارطة الطريق المجازة مؤخراً في حضور رئيس الجمهورية.

تنص خارطة الطريق (وللأسف فإن كلمة (خارطة) ليست صحيحة لغوياً لكنها توشك أن تصبح خطأً شائعاً والصحيح (خريطة) ـــ أقول تنص خريطة الطريق على الآتي:

(التوافق على التشريعات والإجراءات الضرورية لقيام انتخابات عادلة ونزيهة تحت إشراف مفوضية مستقلة سياسياً ومالياً وإدارياً).

بالرغم من أن هذه الفقرة قد أُجيزت وينبغي أن تتوقف كل الإجراءات المتعلقة بالانتخابات التي ينبغي أن تكون محل توافق بين جميع القوى السياسية خاصة في (التشريعات)، ثم في (تعيين المفوضية)، فإن المؤتمر الوطني مضى في الإجراءات بما في ذلك قانون الانتخابات الذي أُجيز في البرلمان ثم عين مفوضية الانتخابات التي أخذت تباشر أعمالها بدون توقف وتهدر أموالاً يحتاج إليها هذا الوطن المأزوم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.

خريطة الطريق تنص كذلك على الآتي:

(كفالة الحريات السياسية والتأمين الكامل على حرية التعبير والنشر)، ثم تمضي لتفصل في هذا الأمر بالنص الآتي: (القضاء هو الجهة المعنيَّة بقضايا النشر والتعبير مع عدم اللجوء للإجراءات الاستثنائية خاصة أثناء الحوار).

بالرغم من هذا النص الواضح، فإن الإجراءات الاستثنائية لا تزال هي السائدة، ولا تزال الصحافة تعاني من التضييق بعيداً عن مرجعية خريطة الطريق!.

تقول خريطة الطريق كذلك (إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كافة)، رغم ذلك فإن هناك معتقلين سياسيين ومحكومين سياسياً لم يُطلق سراحهم حتى الآن.

بعض الأجهزة التي تتعلل بأنها تحتكم إلى قانون يجيز لها الاعتقال وإِعمال الإجراءات الاستثنائية في حرية النشر، ينبغي أن تخضع إلى مرجعية خريطة الطريق، سيما بعد أن أُجيزت من الجمعية العمومية وبحضور رئيس الجمهورية الذي قالها بلا مواربة “إنها قد أُجيزت”.

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة من السلطات الحاكمة: هل أُجيزت خريطة الطريق لكي تكون مرجعية عليا لا يعلى عليها، أم أن ذلك ليس صحيحاً بما يعني أن القوانين هي التي تسود على ما تم الاتفاق عليه؟!.

إذا كانت خريطة الطريق هي المرجعية العليا، فإن الجميع ينبغي أن يخضعوا لها، وإلاّ فإنها ما كان ينبغي أن تُجاز بشكلها الذي خرجت به في ذلك الاجتماع المحضور، بما يعني أنه كان ينبغي أن تُسحب كل الفقرات التي تتعارض مع القوانين السارية بما في ذلك قانون الأمن الوطني.

إن الاستجابة لمطلوبات بناء الثقة وإجراءات تهيئة المناخ الواردة في خريطة الطريق، تعتبر الضامن الوحيد لإنجاح الوثيقة الأخرى التي أُجيزت في اجتماع الجمعية العمومية للأحزاب المتحاورة والمسماة بــ(اتفاقية الحوار الوطني والعملية الدستورية) أو(اتفاقية أديس أبابا) بين آلية السبعتين والجبهة الثورية والتي أبرمت بضمان رئيس آلية الاتحاد الأفريقي ثابو أمبيكي.

أهم ما تمخض عن اتفاق أديس أبابا هو إقرار التسوية السياسية الشاملة وشمولية مشاركة كل أصحاب المصلحة بهدف الوصول إلى إجماع وطني وإجراءات بناء الثقة، بما في ذلك الحريات وإطلاق سراح المعتقلين والمحكوم عليهم. فهل تمت الاستجابة لإجراءات بناء الثقة؟!.

أثق في أن السيد رئيس الجمهورية يعلم تمام العلم أن الأمر كله بيده، وبما أن آلية السبعتين ستجتمع خلال الأيام القليلة القادمة مع الحركات المسلحة، فإن ذلك يقتضي أن يأمر الرئيس بإنفاذ الوثيقتين (خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا)، قبل أن يشد ممثلو آلية السبعتين الرحال إلى أديس أبابا لمقابلة الحركات المسلحة، فذلك هو الضامن الوحيد للانطلاق نحو إنجاح الحوار بمشاركة الجميع، حتى نمضي نحو الهدف الإستراتيجي لإنشاء دولة العدالة والحكم الراشد وإقامة نظام سياسي ديمقراطي فاعل.

الكاتب : الطيب مصطفى
زفرات حرى – صحيفة الصيحة