عثمان ميرغني

صمت الحملان


[JUSTIFY]
صمت الحملان

النقيب أبو زيد عبد الله.. شاب في مقتبل العمر.. صنع مثالاً وأنموذجاً- لم يستطعه الكبار.. علمنا- جميعاً- كيف يتحقق (التغيير)!!.
مثل أي ضابط في ريعان بداياته ربما لو آثر السلامة فأغمض عينيه وقبلهما ضميره.. لصعد الدرج (نجمة.. نجمة).
أبو زيد مارس فضيلة الجهر بالنصيحة.. فدفع الثمن بأعجل ممّا توقع.. أحيل إلى محكمة شرطية قضت عليه بالسجن أربع سنوات حسوماً، ومعها غرامة مالية.. لكن محكمة الاستئناف خفضتها إلى سنة واحدة، أكملها خلف قضبان سجن كوبر، وفصل من الخدمة.
خرج من كوبر أكثر قناعة بما فعل.. لا يحمل ذرة من ندم على فداحة الثمن الذي دفعه.. وهاجر من السودان إلى الإمارات؛ فأرض الله واسعة، إذا ضاق الوطن على الحق، ورجاله.
لكن أبو زيد اختار الهجرة بالجسد لا بالروح.. فسجل الأنموذج الثاني؛ بمواصلة قضيته على مستوى العدالة.. عبر المحكمة الدستورية التي أصدرت قراراً تأريخياً أمس الأول سيغير كثيراً من مسلمات الواقع السوداني.. وأمس تشرفت الصفحات الأول في غالبية الصحف بذكر اسم أبو زيد.. وهو في المهجر يظلّ اسمه يحارب عنه في السودان.
كل المراقبين لم أقل الخائفين- ربما باتوا يحسدون النقيب أبو زيد على طرده من الخدمة.. فبكل تأكيد حساب الأرباح والخسائر أضحى واضحاً.. لصالح الضمير..
في كل مؤسسة حكومية أبو زيد آخر، لكنه خائف يترقب.. ينظر إلى أولاده، ومستقبله، وماله.. فيبتلع لسانه، وضميره، ويرضى أن يكون شاهداً على الفساد، ومشاركاً بالصمت.. رغم أن الله سبحانه وتعالى أقسم بأن الأرزاق ليست من صلاحيات البشر.. أياً كان هذا البشر.. (َفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).. شهادة ضمان قدسية من مالك الكون الأوحد.. ومع ذلك كثيرون يسيئون الظن بربهم؛ عندما يخشون على أرازقهم من سطوة جباري الأرض.
الحال الذي وصلنا إليه الآن، هو خلاصة مسلكنا العام.. (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).. حالة الصمت- الجبان- التي نمارسها- جميعاً- انظر حولك.. الطعام فاسد.. الدواء.. الماء.. السلع.. الشوارع.. التعليم.. الصحة.. الرياضة.. وحتى الفن.. حالة فساد كاسحة، وكأنما هي مؤامرة كلنا فيها سواء.. والسبب هو الصمت..!!، (صمت الحملان)- على اسم الفيلم العالمي الشهير الذي حاز على الأوسكار.
الحل.. إطلاق سراح الضمير السوداني.. الذي يعتقله كل سوداني في داخله.. لا تخش شيئاً، الضمانات إلهية.. مهما بدا الفساد قوياً، ومتخماً بالجاه، فهو في النهاية مصيره إلى زوال..
قصة أبو زيد.. ستغير كثيراً من المسلمات التي ترونها أمامكم.. صدقوني سيظهر أبو زيد آخر في موقع آخر.. ولن يأتي اليوم الذي نتحسر فيه فنقول (كأنك يا أب زيد.. ما غزيت).
.. أطلق سراح ضميرك..
[/JUSTIFY]

عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]