مقالات متنوعة

ثمن السلام!!..


ثمن السلام!!..
في إحدى جلسات مباحثات السلام السابقة بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال تحدث ياسر عرمان حديثاً بلاغياً معززا بالأرقام… بروفيسور غندور رئيس الوفد المفاوض للحكومة انتبه أن الأرقام ليست دقيقة بل وظفها عرمان لرسم صورة نمطية سالبة للحكومة السودانية.. حينما حدد عرمان عدد المخالفات الحكومية لقرارات أممية، هنا طلب غندور من المتحدث تفصيل هذه القرارات مصحوبة بالتواريخ.. لم تكن المهمة سهلة لعرمان.. المراقبون استشفوا من تلك الواقعة أن الطرفين يستخدمان تكتيك تشتيت الكرة للوصول إلى نهاية المباراة.
مضت الحكومة السودانية إلى جولة نوفمبر من المحادثات وعينها على الفشل.. الحكومة تتبنى تكتيك تجزئة القضايا، وتعديد منابر التفاوض.. تتفاوض على قضايا دارفور عبر منبر الدوحة.. مناقشة قضايا جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق مع قطاع الشمال حصرياً على منبر أديس أبابا الذي يشرف عليه الاتحاد الأفريقي.. هذا التكتيك لا يحقق سلاماً شاملاً، ولكن كلفته السياسية أقل.. ليس في مقدور حركات متنازعة أن تنال من تنازلات إلا بالقدر الذي تتفضل به الحكومة عن طيب خاطر.. أفضل نموذج لهذا التكتيك وثيقة الدوحة.. بعد أشهر معدودات من التفاوض لم تنل حركة التحرير والعدالة غير مناصب سياسية وفرت أوضاعاً وظيفية مريحة لبعض قيادات الحركات.. سلطة السيسي الإقليمية مجرد مكاتب فاخرة في الخرطوم والفاشر.
قطاع الشمال يدرك المعادلة الحالية بشكل أفضل.. الحرب التي يشنها القطاع تمر بظروف صعبة سببها اندلاع الصراع الأهلي في دولة جنوب السودان.. لتعظيم المكاسب سعت الحركة الشعبية في كسب حلفاء جدد عبر صناعة واجهة سياسية وعسكرية جديدة.. الجبهة الثورية كانت عبارة عن كيان جديد يعزز من بطاقات الضغط.. بعد أشهر عديدة اكتشف أن التحالف الجديد يقيد حركة الحركة الشعبية.. لاحقاً حاولت الجبهة الثورية أن تجذب أقدام حزب الأمة عبر إعلان باريس.. التحالف الواسع يقوي قطاع الشمال، ولكنه يضعف طرحه لقضايا محلية، مثل فكرة الحكم الذاتي لجنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان .
النتيجة أن المفاوضات لم تحقق أهدافها، وأعلن أمس تعليقها إلى أجل غير مسمى.. الحقيقة أن طرفي النزاع لم تتوفر لهما الإرادة السياسية لتحقيق السلام.. القضايا مسار الاختلاف ما كان ينبغي لها أن تكون محل اختلاف تام.. لا حزب ينبغي أن يكون له رأي سالب في إغاثة السكان المتأثرين بالحرب.. الحل الشامل الذي يفضي إلى إزاحة خيار الحرب يجب أن يكون محل إجماع جميع الأطراف .
بصراحة.. أي يوم يمر في حرب- الكاسب فيها خاسر- جريمة بحق الوطن.. لن يتحقق سلام شامل إلا إذا كانت هنالك إرادة سياسية عند الطرفين، قادرة على تقديم تنازلات، تشبه تجرع السم.. إذا استمرت المفاوضات بذات المنوال سنساهم جميعاً في شقاء المواطن السوداني المكتوي بنار الحرب.. الأطفال الذين ولدوا في معسكرات النزوح واللجوء لن يغفروا لنا ما سببناه لهم من تعاسة وشقاء ونقص في التعليم.

الكاتب : عبد الباقي الظافر
تراسيم – صحيفة التيار