داليا الياس

الاحتيال المعاصر

[JUSTIFY]
الاحتيال المعاصر

يتداوله أهل الاختصاص تحت مسمى (الأنجلو).. وهذا العنوان ليس اسما لفيلم أجنبي، ولا لواحد من أبطال المصارعة الحرة التي بلي بها أبناؤنا.. ولكنه مصطلح يتداوله رجال الشرطة، والمقصود به شكل من أشكال جرائم النصب والاحتيال الواقعة تحت المادة 178 من القانون الجنائي والتي تعرف بجرائم (التعديل).

وتعتمد جرائم (الأنجلو) المتطورة في الأساس على الاستدراج ومحاولة كسب الثقة بطرق ودية.. لهذا فإن أغلب ضحاياها يكونون من الفتيات الحالمات قليلات التجربة اللائي يفرطن بالثقة في الآخرين لاسيما الشبان المتأنقين الذين على قدر من الوسامة ولحديثهم حلاوة وطلاوة.. وكمثال على ذلك يبدأ أحدهم بإبداء الاهتمام و(التسبيل) ويبادر للتعرف على فتاة ما معربا عن إعجابه الصادق، ثم يعرج بها إلى (كافتيريا) قريبة يشترط أن تكون مزدحمة ليحدثها عن تجارته في الذهب وامتهان أسرته العريقة لمهنة الصاغة، فيمضي بهما الحديث في هذا الاتجاه، إلى أن يطلب منها أن تخلع (الأسورة) أو(الخاتم) الذي بيدها ليطّلع عليه ويثمنه لها ويكون في أثناء ذلك قد أكثر من الحركة من وإلى مقعده وأحضر (العصائر) و(السندوتشات) لإظهار حسن النية، ثم لا يلبث أن يغرقها في الكلام المعسول حتى يرن هاتفه الجوال، فيذهب بعيدا للرد أو يستأذن بحجة شراء (سيجارة).. وتظل المسكينة في انتظاره حتى تبدأ في الارتياب ويساورها الشك لطول غيابه، فتهم بالخروج بحثا عنه في وجل، فيفاجئها صاحب (الكافتيريا) بضرورة دفعها لثمن الطلبات.!!

نموذج آخر بطله هذه المرة شاب يتعرف إليه أحدهم ويبدأ الحديث معه عن سوق العمل والعطالة مغازلا أحلامه البسيطة حتى يصل به إلى التأكيد على إمكانية توفير فرصة عمل ذهبية.. ويطلب منه جواله (أعز ما يملك) لإجراء مكالمة مهمة تتعلق بالوظيفة بحجة افتقار جواله للرصيد، ثم يتجول للحديث مع الطرف الآخر حتى يغيب فجأة وسط الزحام تاركا بطلنا في حيرة كبرى يتحسر على أغنياته العزيزة وصوره النادرة التي تعبئ ذاكرة جواله.!

ولكم أن تفكروا في كل ما يخطر ببالكم، أو لا يخطر من دراما النصب والاحتيال التي يمكن أن يتعرض لها أيا منكم في أي مكان.. لاسيما أمام صرافات استبدال العملة أو البنوك أو الأسواق.. فقد أصبح جهابزة النصب دون سمات محددة.. لا يشترط فيهم (البهدلة) ولا يبرز الشر من نظراتهم.. هم الآن على قدر وافر من الهندمة والأناقة وسماحة الطلعة والقسمات.. لهم قدرة فائقة على التأثير والإبهار والاستحواذ على الإعجاب.. تألفهم سريعا ويدخلون قلبك لبرهة بلا استئذان.. وتلك البرهة هي كل ما يحتاجونه للنيل منك وإدراجك في قائمة ضحاياهم.. لتكتشف في البرهة التي تليها تماما مدى سذاجتك (وعبطك).

هؤلاء.. أصبحوا الآن جزءً أصيلا من نسيجنا الاجتماعي دون الخوض في الأسباب أو الدوافع.. (فالشماعات) الاقتصادية دائما متوفرة.. وليس أمامنا سوى توخي الحذر والاحتياط في كل مكان وزمان.. فالقانون لا يحمي المغفلين.. وربما يقف هو نفسه مغلوبا على أمره من فرط مهارة ودقة شياطين الإنس من هؤلاء النصابين الذين لا يتركون وراءهم أي أثر.. وإلا كيف بربكم يحمي القانون بطلنا سائق العربة (الأمجاد) المسكين الذي استوقفه ذلك الرجل المهندم وإلى جانبه عدد مقدر من (الكراتين) الكبيرة المحملة.. طالبا منه قضاء بعض المشاوير الجانبية، ثم إيصاله إلى محله التجاري الكائن في أحد الأسواق الأم درمانية العريقة.. فما كان من بطلنا إلا أن سال لعابه لهذا المشوار الدسم.. ليبدأ الرجل في الونسة والحكايات، ثم يقف به في الطريق ويسأله بعض( الفكة) على حساب المشوار.. ويقف مرة أخرى أمام عمارة ضخمة بحجة أنه يريد ملايين الجنيهات من أحدهم فيها، ولكنه لا يرد على اتصالاته، فيطلب من صاحبنا جواله ليتصل منه ويباغت الآخر، فيسلمه له الأخير بكل اطمئنان، فيذهب هو إلى داخل العمارة ويترك (كراتينه) بالعربة تأكيدا للثقة، ولما يطول الانتظار بالسائق يدخل إلى العمارة فيجدها بمدخلين ويعود إلى (الكراتين) فيجدها معبأة بالطوب والحجارة!!.. ترى ما هي حكاية كل منكم مع هؤلاء (الأنجلو).!؟

تلويح:

حكايتي المؤلمة مع الأنجلو أن بعضهم احتال على حسن ظني.. ونصب على إحساني وثقتي.. وكان للأسف من المقربين والمقربات.!!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد