عثمان ميرغني

شهادات للبيع!!


[JUSTIFY]
شهادات للبيع!!

قريباً جداً ستطالعون إعلاناً مثل هذا (تعلن جامعة…. فتح باب التسجيل لنيل شهادة الدكتوراة في أي تخصص.. تسهيلات غير مسبوقة في التسجيل والدفع والمناقشة.. تخفيضات خاصة لمن يسجل لأكثر من رسالة.. سجل في رسالتين تأخذ الثالثة منحة مجاناً..).
هناك خطر داهم لا أحد ينتبه له.. اسمه (الشهادات).. شهادة الماجستير أسهل من شهادة تخرح في الروضة (الروضات أيضاً تقيم حفلات تخرح مبهرجة لخريجيها الصغار).. أما الدكتوراة فهي عند الطلب.. وأحياناً يزيّن حرف الدال أسماء بعض المشاهير بلا حاجة حتى لنيلها رسمياً..
أما (البروفيسور) فهي لمن استطاع إليها سبيلاً.. ليس بالأبحاث أو الخدمة الطويلة.. بل حتى بالعضل.. فهي الوحيدة التي ليس فيها حفل تخريج..
والذي يساعد في انتشار ظاهرة (الشهادات) أن شعبنا الكريم (الحبوب) يحب تفخيم معارفه.. فالشهادة ليست جاهاً وفخراً لمن يحوزها.. بل لأصدقائه وأقاربه ومعارفه.. وحتى زبائنه- إن كان صاحب شركة أو حتى محل شاورما (مع اعتذاري لأصحاب محلات الشاورما).
ولفت نظري أنه حتى في المناسبات.. الترح أو الفرح… الشهادات حاضرة.. في بيت العزاء عندما يأتي صاحب شهادة (فخمة!!)، ويرفع يديه بالفاتحة من الباب.. يهبّ جميع أهل العزاء في حماس لتلقي العزاء.. وعندما يظهر حملة البكالريوس فما دون.. بالكاد يتحمس أحد ذوي المرحوم لتلبية نداء الفاتحة..
لكن المشكلة لا تنتهي في (وجاهة) هذه الشهادات وقيمتها الاجتماعية.. المصيبة أن الأمر يتمدد إلى مصالح الناس.. جسم الدولة- نفسه..
لجنة حساسة لبحث موضوع حساس.. يتحرى أصحاب القرار تشكّيلها من أفخم الألقاب.. ومن محاضر الاجتماعات تبدو المداولات أفرغ من فؤاد أم موسى.. فالسادة أصحاب الوجاهة.. تنتهي وجاهتهم في الأحرف التي تسبق أسماءهم.. ولا يفوت على فطنة القارئ أن المقصود بهذا التوصيف هم أصحاب الشهادات من غير مستحقيها.. لا أولئك الميامين الغرّ الذين سهروا الليالي، وشحذوا العقول بالأبحاث، والدراسات الجادة..
كثرة الشهادات السهلة هي التي (أسهلت) المشروعات، والعمل العام، وحولته إلى مجرد تشريف، وأناقة اجتماعية.. وأسهمت في توسيع دائرة الفشل.. خاصة في المشروعات المرتبطة بالحكومة مباشرة.. حيث لا وجيع، ولا بواكي على مصالح الشعب (المكتول كمد)..
وتعميماً للفائدة- فائدة الشهادات- ابتكر حزب المؤتمر الوطني فكرة شرط الحصول على البكالريوس- على أقل تقدير- لمن يترشحون إلى الوظائف القيادية.. علماً بأنني نشرت في حديث المدينة- هنا- قبل عدة سنوات قائمة أسعار البكالريوس في كثير من الجامعات السودانية (ذكرتها بالاسم في ذلك العمود).. البكالريوس وصل مرحلة (الدلفري)..
من الحكمة أن نسحب من الشهادات زخرفها الاجتماعي، ونقيسها بسعر الفائدة منها.. الإنجاز العلمي أو العملي.. فلدينا علماء سجلوا أرفع الإنجازات العلمية وأتتهم الألقاب بإنجازاتهم قبل شهادتهم.. حازوا على لقب بروفيسور حتى بدون ماجستير، وأصبحوا في يوم من الأيام في منصب مدير جامعة الخرطوم (شخصياً)..
امنحوا الشهادات قيمتها.. بقيمة الإنجاز.. لا بقيمة اللقب
[/JUSTIFY]

عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]