حذارِ يا غندور ويا أمين حسن عمر!
ما حدث في أديس أبابا مؤخراً يعبّر عن اتفاق بين مكونات الجبهة الثورية يهدف إلى خروج التفاوض من إطار القضايا الجزئية إلى النطاق القومي بحيث يستقوي عرمان بالحركات الدارفورية في سبيل تحقيق هدفه الرامي إلى الصعود على سلّم المنطقتين إلى قضايا السُّودان في إطار سعيه لطرح استراتيجية الحركة لمشروع السُّودان الجديد، وكذلك أن تستقوي الحركات الدارفورية بعرمان وقطاع الشمال بطرح قومي يتسق مع رؤية الجبهة الثورية ومشروعها للفجر الجديد المُستنسخ من مشروع السُّودان الجديد.
يبدو هامش المناورة لدى تحالف قطاع الشمال والحركات الدارفورية أكبر من طرح الحكومة التي تصر على أن تسجن نفسها في قمقمٍ ضيّق بسبب تعنُّتها وعجزها عن التحرُّك في فضاء فسيح مُتاح لها لكنها تأبى إلا أن تعاند وتكابر بنفس منهجها القديم الذي أدى إلى عزلتها وفشلها قبل نيفاشا وبعدها.
بذات النهج نجح قرنق في تكوين تحالف انتهازي مع الأحزاب الشمالية أيام التجمع الوطني الديمقراطي منحه الشرعية لإلباس حركته العنصرية الجنوبية زيّاً قومياً يؤطر لمشروعه القومي المُسمَّى بالسُّودان الجديد، واستخدم ذلك التحالُف في تحقيق هدفه مستقوياً به إلى أن حمله إلى نيفاشا التي امتطى لبلوغها حمار التجمع ثم ترك حلفاءه خارج مقر التفاوض يتلظون في هجير نيفاشا.
تكرَّر ذلك المشهد أيام تحالف جوبا خلال الفترة الانتقالية التي برع باقان خلالها في تسخير بعض قوى التجمع القديم لخدمة استراتيجيته ضد المؤتمر الوطني.
بذات الكيفية أنشأ عرمان وقطاع الشمال الجبهة الثورية لجمع الغاضبين وحاملي السلاح من أبناء دارفور الذين ضمَّ اليهم حلفاءه القدامى من حزب الأمة (نصر الدين الهادي) والاتحادي الأصل المشارك في الحكومة والمعارض في نفس الوقت باعتباره حزباً هلامياً لا لون له ولا طعم ولا رائحة أو مرجعية فكرية أو سياسية حيث مثَّله التوم هجو الذي نراه حتى اليوم جالساً إلى جانب عرمان ومني أركو مناوي مشاركاً في مفاوضات دارفور كما شارك في مفاوضات المنطقتين مع قطاع الشمال!!
أما الحكومة (الغبيانة) يا غندور ويا أمين حسن عمر فإنها تصر كما كانت أيام أفلح قرنق في عزلها بحشد معارضي الشمال بمن فيهم الميرغني والصادق المهدي.. تصر على إضعاف نفسها وتذهب منفردة لمقابلة عرمان المستقوي بحركات دارفور ثم لمقابلة حركات دارفور المستقوية بقطاع الشمال وعرمان!
بدون أدنى مبرر مقبول عمدت الحكومة إلى اعتقال السيد الصادق المهدي رغم كل ما قدَّم في سبيل دعم الحوار الوطني ورغم مساندته لها في مواجهة محكمة الجنايات الدولية وإبّان غزو خليل لأم درمان وما ذلك إلا لأن الحكومة تجيد شن الحرب على نفسها وتُلحق بنفسها من الأضرار ما تعجز المعارضة عن فعله بها وهاهو الصادق المهدي يُدفع دفعاً إلى صف عرمان جراء تصرفات هوجاء من الحكومة لا تجيد النظر إلى المستقبل.
حتى بعد أن فجَّر عرمان قنبلته حول منح الحكم الذاتي للمنطقتين والتي أوشكت أن تقضي على تحالف الجبهة الثورية وأغضبت بعض مكوناتها (عبد الواحد محمد نور) بل أغضبت حزب الأمة (الصادق المهدي) لا يزال عرمان يناور بينما فشلت الحكومة بعنادها وعجزها عن التحرُّك في الفضاء السياسي المُتاح أمامها.. فشلت في الاستقواء بالقوى القريبة منها والتي تكوَّنت عقب الحوار الوطني كما عجزت عن استرضاء الصادق المهدي بسبب مكابرتها وعنادها وطغيانها.
تقرَّر أن تشد آلية السبعتين الرحال إلى أديس أبابا بوفد من ثمانية أعضاء لكن الحكومة بغبائها المعهود (وكنكشتها) الغريبة تصر على أن تعطل سفر الوفد وكأن عرمان هو الذي يخطط لها ويقرر واضعة كل البيض في سلة أمبيكي رغم أنه متاح لها ولغيرها من أصحاب الأجندة الدولية!
لستُ أدري والله لماذا لم تستفِد الحكومة من آلية الحوار التي تضم أكثر من سبعين حزباً لتكوين رؤية موحدة يُعبَّر عنها بآلية السبعتين للأحزاب المتحاورة في مواجهة تحالف الجبهة الثورية الذي يحاول الاستقواء بالأحزاب الرافضة للحوار والتي شدَّ بعضها الرحال إلى أديس أبابا دعماً لعرمان وللحركات الدارفورية ؟
إن كان بروف غندور قد وافق على التفاوض بمسارين (مسار المنطقتين ومسار دارفور) رافضاً خلطهما في مسار واحد فإن مجرد القبول بأن يضم التفاوض حول دارفور يا أمين حسن عمر ممثلين لقطاع الشمال خطأ فادح ما كان ينبغي أن يحدث وينبغي استدراكه الآن أو خلال أية جولة قادمة.
كنتُ أعلم أن نقل المفاوضات من الدوحة إلى أديس أبابا يصب في مصلحة استراتيجية الجبهة الثورية المدعومة من أمريكا والترويكا التي كانت بعيدة كل البُعد عما يجري في الدوحة ولكن!
الآن وقد انتقل الملف إلى الاتحاد الأفريقي وبالتالي إلى مجلس الأمن القريب من آلية أمبيكي فإن ملف دارفور يحتاج إلى تعامل حذر يستدعي أن تُطلق يدا غندور لكي يتحرك بفاعلية أكثر من خلال تقديم التنازلات اللازمة لانطلاق الحوار الوطني بتطبيق خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا مع الحركات الدارفورية ومن ثم استصحاب أحزاب الحوار بدلاً من تركها عرضة للتأثير من قِبَل تحالف الجبهة الثورية والأحزاب الرافضة للحوار بالداخل.
الكاتب : الطيب مصطفى
زفرات حرى – صحيفة الصيحة