محمد محمد خير

جولة في مول الواحة

[JUSTIFY]
جولة في مول الواحة

سعادة ذات خدر في فروة الرأس وتنميل على أقواس الأظافر اجتاحتني وأنا أتجول في (مول الواحة).. مدخلٌ أنيق وابتسامة أمنية يسددها نحوك رجل الأمن وهو يتحسس رجليك بمقبض كهربائي وضجة من النظافة تتمدد على كل عرصات الساحات التجارية والمقاهي.. إنارة هادئة وصبايا بزي محتشم يتضوعن أنوثة لها فحيح.. سبحان ربك كان هذا المكان مرتعاً للنشالين وأصحاب السوابق وكان (الملوص) يلعب عياناً كأن السلطات كانت تشجعه و(المداحين السابلة) والنساء يضربن (الرمل) وروائح كمونية البقر الطاعن في السن تتسرب من زنكي الخرطوم وأصوات الخضرجية وبائعي أكياس الورق و(شحادين) من غرب إفريقيا ينغّمون أشعار البرعي وأشواقه لبيت الله الحرام، فتسمع بعربية راطنة
قولوا له عبد الرحيم «متيماً»
قد فارق الأصحاب والأولاد
وباعة (الموية الباردة) يتصايحون (برد جوفك) وأنت لسيع الحر الذي لا يرحم!! كان هذا (المول) ذات يوم تكتلاً للفوضى السودانية.. وأنت تتجول تشم رائحة أمعاء الخراف وتسمع صوت ديك يستغيث وتصغى لهمس رجل يغازل فتاة وامرأة تخلع (شبشبها) وتسدده في اتجاه رجل همّ، لا شرطة ولا أمن. كان هذا الميدان قطعة من صحراء تسبح في مدينة!!
كنت استرجع هذه الصور وأنا أدور بكل مناحي المول، نباتات الظل، والمصاعد الكهربائية ومقهى أشبه (بوايت ليس) بوسط لندن وأغنيات أجنبية تنتمي«للبلوز» وأخرى كلاسيكية هامسة، كل شيء يضج بالأناقة ويرن بالأرج.. وأقسمت أن أشتري شيئاً فدخلت متجر (ماكس) الشهير وانتخبت قميصاً مخططاً بعد أن تأكدت من سعره المكتوب بوضوح على الديباجة وتلقيت ابتسامة من الفتاة قابلتها (بصدر رحب وقصد شريف) ثم توجهت نحو (الكاشير)، عذراً فأنا أتكلم بلغة المول، ولما أخرجت المبلغ المطلوب حسب ماهو مبين على الديباجة اعتذر الكاشير وزاد السعر خمسين جنيهاً معتذراً من أن المبلغ في (السستم) يختلف عن المبلغ في العرض!.
هنا استرجعت ماضي هذا المول وتذكرت تكتل الفوضى قبل عقود ودون أن أشعر وجدتني أوجه انتقادات لاذعة واستشعر أن المسألة ليست هي خلق الجمال بقدر ماهي القدرة على إدارة الجمال، ولصديقنا عبد الرحمن التلب قصة مماثلة سأرويها لاحقاً إن شاء الله.

[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني

تعليق واحد

  1. يا لها من أيام مضت مرحاً قضيناها بين ربوع زنك الخُضار بوسط الخرطوم وتخوم أحياء العشش { الإنقاذ حالياً } ومدارس النيل وأستاذ عبد القيوم .. المربي الفاضل الذي كان له القدح المعلا في تشكيل كثير من وجدانياتنا .. لك التحية والحب والتقدير يا أخي محمد محمد خير .. ذكرتنا أيام خلت وزمالة دراسة وإخاء عشناها معا فترة من الزمان وكان ذلك قبل اكثر من 35 عاماً على ما أعتقد فهل تسعفك الذاكرة للتذكر من هو كاتب هذه السطور ولا أعتقد أنك تستحضر شكله ولكنك ككاتب عمود ومبدع وفنان في جميع مناحي الحياة منذ أن كنت في بداية سنيك الآول فقد ظللنا ننتبعك ونفتخر بك أخا وزميلا شق طريقه بحفر الصخر ولآن له الصخر من كثرة الطرق … لك حبي وتقديري يا محمد محمد خير …
    اخوك صلاح بُتري …