مـــنتـدى مراكــش

> يلتئم هذه الأيام بمدينة مراكش المغربية، المنتدى العالمي لحقوق الإنسان تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهذه هي الدورة الثانية من المنتدى، وقد عقد المنتدى السابق في البرازيل قبل عامين، وتنازلت الأرجنتين التي كانت تنوي تنظيم هذه الدورة للمغرب، ووصل عدد المشاركين من كل العالم إلى أكثر من ستة آلاف مشارك يمثلون المنظمات غير الحكومية والناشطين في مجالات حقوق الإنسان والعمل الطوعي وممثلي جهات حكومية من مختلف دول العالم والفاعلين الدوليين في مجالات حقوق الإنسان والتنمية والتربية والتعليم والصحة والبيئة والمناخ والقانون، ووكالات الأمم المتحدة والسياسيين والصحافيين والنقابات والاتحادات في مائة دولة.
> ولم تعد مفاهيم حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتعلق بالقضايا المعلومة التي تشغل بال المشتغلين في هذا المجال، خاصة تلك المتعلقة بالانتهاكات الجسدية والتعذيب والاعتقال والقهر السياسي وضحايا الحروب وتكميم الأفواه والحريات العامة التي تكفلها الدساتير والقوانين والأديان، فقد توسع مفهوم حقوق الإنسان ليغطي كل الحقوق في مجالات الحياة، من حق المعرفة والحصول على الماء النقي والتعليم والسكن والبيئة النظيفة إلى الحقوق السياسية ومناهضة العنف والتعذيب والسجون والاسترقاق وكل الحقوق الأخرى المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد صارت هذه المفاهيم بمثابة ملح للحياة عند معتنقيها والمدافعين عنها.
> وقد يكون بعض المفكرين والفلاسفة الغربيين مثل ديردا وميشيل فوكو محقين في نقدهم العنيف لمفهوم حقوق الإنسان وتمدد مظلته، باعتبار أن ما يطرح في إطار هذا المفهوم نوع من اليتوبيا السياسية التي لا تلامس الواقع، فلا وجود لدولة مدنية تصون كل حقوق الإنسان إلا في الخيال العالمي الذي شكله الناشطون ودعاة حقوق الإنسان، ولا توجد على وجه البسيطة صور متطابقة لصيانة هذه الحقوق ولا أنموذج أمثل لتطبيقاتها حتى في الدول التي تدعي أنها رائدة في تأسيس صيغة الدولة المدنية التي يسود فيها حكم القانون وتراعى فيها كل الحقوق.
> وعلى المستوى النظري والمفاهيمي، يعد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الملتئم الآن في مراكش المغربية، أفضل صيغة للتوافق على الأسس والأطر العامة للتعريفات العامة وتبادل الآراء والمعلومات وصياغة وصناعة روح التوافقات على التعاهدات الدولية والاتفاقيات والمواثيق والمحتوى العام التي تشمل كل الحقوق الإنسانية، فالقضايا والمحاور والموضوعات الجاري مناقشتها وبحثها هنا، إذا أمعنا النظر إليها تتضمن كل ما يطمح إليه الإنسان من حقوق واجبة في إطاره الخاص والإطار الكوني العام.
> وتوزع المشاركون في المنتدى منذ يوم «27» نوفمبر حتى يوم غدٍ الأحد، إلى إحدى عشرة مجموعة في شكل لجان وموضوعات في قاعات مخصصة في مقر المؤتمر «قرية المنتدى» المنشأة خصيصاً لهذ الحدث العالمي الكبير، وتدور في كل مجموعة وقاعة نقاشات حامية من كل المشاركين من اتجاهات وأصقاع العالم، حول الهموم والقضايا التي تؤرق الإنسان وتقض مضجعه، فبجانب الحرية السياسية والقضايا المعلومة عن حقوق الإنسان والسجل العالمي للانتهاكات التي يناقشها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وهي أضخم مرصد سياسي دولي لها يتم فيه اتخاذ قرارات مهمة وخطيرة، فإن قضايا منتدى مراكش يناقش موضوعات الإعاقة وحقوق الإنسان وما يتعلق بذوي الإعاقات ووضعيتهم، ثم قضايا الصحة العامة والصحة العقلية ومهنيي الصحة في مواجهة التعذيب، ويجري نقاش حامي الوطيس حول تفاعل دول العالم مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، بجانب قضية العدالة وكيفية الولوج في النسيج الدولي للدفاع عن استقلال القضاء والإصلاح الجنائي، يترافق معها التداول حول دور العدالة في أعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم يغب الحديث عن العدالة الانتقالية في المجتمعات والدول التي تعاني من الصراعات التي تحولت إلى ظواهر اجتماعية عميقة، ومن الموضوعات قضية المدنية وحقوق الإنسان، وكيف أن توسع الحواضر والمدن والإنشاءات والتجمعات السكنية والخطط العمرانية الحديثة تتلامس مع حقوق الإنسان، وباتت مسألة مؤرقة وتتطلب نوعاً من الوعي بها ووضع الاعتبارات اللازمة حيالها، كما يجري نقاش حق التعليم والتربية ضمن مفهوم التعليم للجميع والتربية للجميع، وضرورة تعليم حقوق الإنسان للأطفال في المدارس كما في التجربة التي عرضتها المملكة المغربية وتضمينها في مناهج التعليم، وتعتبر عملية الحصول على الماء وخاصة الماء النقي من المبادئ الأساسية التي يسعى المنتدى لتعميق العمل بها وتجذيرها وتحريض وتشجيع الشبكات والمنظمات الأهلية للعمل فيها. ولعل من أهم القضايا التي يتم تداولها بقوة العنف ضد المرأة والطفل وحقوقهما معاً، وأكثر المنظمات والجمعيات المشاركة من أطراف العالم المتعددة، هي المنشغلة بهذه القضية وحقوق الأسرة وضرورة الحفاظ عليها، فالمرأة بجانب مطالبتها بحقوقها في الريادة والعمل ومطالبتها بفرص أكبر في عدم التمييز والمشاركة السياسية، تشدد على العنف المتنامي ضدها في بلدان كثيرة، كما يتعرض الأطفال للاختطاف والجرائم والاتجار والتجنيد القسري في الحروب وتسخيرهم في الدعارة وتجارة الجنس، ويبدو العالم كأنه يقف عند رصيف واحد ضد العنف الموجه للأطفال والمرأة وانتهاك حقوقهما.
> ولم تغب عن المنتدى قضايا حقوق المسنين وما يتعرضون له من إهمال متعمد وغياب الرعاية الكافية، وكذلك المسائل المتعلقة بالحق في البيئة والعدالة المناخية وضرورة الحصول على الطاقة، وحق الاتصال ضمن مبدأ الاتصال للجميع، وتنشط منظمات وجمعيات وتكوينات دولية تطالب بحق الجميع في الحصول على خدمة الاتصالات والإنترنت وتكافؤ الفرص في استخداماتها والحصول عليها، ويتناول المنتدى كذلك خطر الاتجار بالبشر والحقوق الدينية والهجرة، ففي العالم اليوم أكثر من «250» مليون شخص مهاجرون في مختلف البلدان، ويتعرضون لمخاطر كبيرة في الهجرة ومشكلات التنقل والحدود، وتوجد مشكلات يتعرضون لها وأسرهم تتعلق بقوانين الهجرة في إقامتهم في بلاد المهاجر والعنصرية والوثائق الخاصة بهم.
ولم ينس المنتدى مسائل مثل الفرص المتساوية في العمل والعطاءات والمقاولات، ووقاية المجتمعات من خطر الرشوة واستخدام النفوذ والمحسوبية، وأهمية الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة والتشريعات والقوانين الجنائية المنظمة لحقوق الإنسان وغيرها.. ووجد موضوع مناهضة عقوبة الإعدام جدلاً واسعاً لاختلاف المنطلقات والاعتقادات حوله.
> لكن بشكل خاص مثلت لنا نحن الصحافيين، مسائل حماية الصحافيين وحق الحصول على المعلومات وحرية الإعلام ومكافحة الإفلات من العقاب والحق في الاتصال واستخدامات الإنترنت وحرية الضمير ودور وسائل الإعلام والتعديات الثقافية واللغوية، اهتمامات خاصة لملامستها لما نمتهنه من مهنة لها صلة بكل هذه الهموم.
«غداً نواصل».
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة