مقالات متنوعة

موجة كراهية جديدة..!!

موجة كراهية جديدة..!!
قبل سنوات كان الزميل الصحفي عوض الله نواي يتجول في العاصمة الإثيوبية.. لفتت نظر الصحفي السوداني فتاة إثيوبية جميلة كانت تجتهد لتتفحص معالمه.. عبر ابتسامة تطمئن، سألته من أية مدينة في السودان؟.. المفاجأة أن الصبية الإثيوبية كانت تعمل سنوات في بيت الضيافة حيث يقيم الرئيس السوداني.. الشابة تحدثت بمودة وامتنان عن العائلة الرئاسية التي كانت تتعامل معها كواحدة من أهل البيت.
أمس كنت حضوراً في جلسة نقاش بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا حول مخاطر الوجود الأجنبي في السودان.. شارك في الجلسة بجانب الإعلاميين سفراء وأكاديميون مع وجود مكثف لرجالات الشرطة بقيادة الفريق عوض النيل ضحية مدير هيئة الجوازات والسجل المدني.. بداية لفت نظري الحذر البالغ الذي أحيط بالمنشط.. مثل حرص عدد من المتحدثين إلى استخدام تعبير (غير قابل للنشر).
المفاجاة الأولى أن لا أحد يعرف عدد المقيمين في السودان بشكل غير شرعي.. تقديرات غير دقيقة تقدرهم بثلاثة ملايين وخمسمائة ألف نسمة.. من بين هؤلاء المهاجرين نحو مائتي ألف فقط يحملون بطاقات إقامة.
لم أكن سعيداً بالانطباعية التي تسللت من بين حديث الخبراء الذين خاطبوا الجلسة.. مسؤول رفيع في ولاية الخرطوم أكد أن صحة أطفاله باتت هزيلة بعد أن وظّف شغالة إثيوبية تقيم بصورة غير شرعية.. ضابط رفيع طلب التأكد إن كانت القاعة لا تحوي جنساً لطيفاً ليروي تفاصيل علاقة غير شرعية ربطت بين زوج وشغالة أجنبية.. خبير آخر قال: إن ثلثي الشعب الإثيوبي مصاب بالتهاب الكبد الوبائي.. معظم الإفادات كانت تصور أن الخطر قادم، وأن (تحبيش) السودان سيتم في سنوات قليلة قادمة.
مثل هذه الصورة الانطباعية الظالمة جعلت محلية الدبة في الولاية الشمالية تتخذ إجراءات استثنائية تجاه العمالة الأجنبية في المحلية القصية.. الحملة الشعبية من أجل تطهير المحلية سببها اكتشاف نحو خمس حالات إصابة بالتهاب الكبد الوبائي من بين بضع وخمسين حالة.
في تقديري أن للهجرة محاسن تتجاوز السلبيات المحدودة.. هذا البلد الشاسع يحتاج إلى سكان يعمرون أرضه.. هنالك بعض الأعمال الصعبة جداً أو الهامشية لا يقبل عليها السودانيون بكثافة مثل الحصاد والعمالة المنزلية.. هذه السلبيات يمكن تجاوزها عبر تيسير عملية التسجيل الطوعي المجاني للأجانب.. مع تكثيف الفحص الطبي من غير رسوم مالية لكل أجنبي يرغب في الإقامة في السودان.. التفكير في تحصيل موارد مالية يهزم الفكرة الكلية.
بصراحة.. هنالك نظرة عنصرية غير معلنة تجاه الهجرات الأفريقية إلى السودان.. حكومتنا من قبل منحت زعيم حزب الوفد المصري مليون فدان ليوزعها على أبناء مصر.. الحقيقة أن مصر منخفض حضاري تهفو إليه أفئدة السودانيين.. أفريقيا جنوب الصحراء تمثل مستقبل التعاون المشترك.. مثلا إثيوبيا ذات التسعين مليوناً يمكن أن تكون سوقاً رائجاً للمنتجات السودانية.. الكهرباء الإثيوبية الرخيصة يمكن أن تحول السودان إلى دولة صناعية متقدمة.
بصراحة- ترسيخ الصورة السالبة للأجنبي ستضر بلدنا، وتجعله في عزلة داخل الإقليم.. كل إثيوبي يقيم في السودان سيكون سفيراً شعبياً يعكس ثقافتنا وموروثنا حين عودته.. المطلوب تقنين الهجرة لا محاربتها

الكاتب : عبد الباقي الظافر
تراسيم – صحيفة التيار