الصادق الرزيقي

الديمنقاوي فضل سيسي

[JUSTIFY]
الديمنقاوي فضل سيسي

> أنشبت المنيَّة أظفارها، واختطفت يد المنون صباح أمس الديمنقاوي فضل سيسي محمد أتيم، رئيس إدارة قبيلة الفور الأهلية ولكل القبائل في محيط ولاية وسط دارفور من حدود محلية كاس بجنوب دارفور حتى الحدود مع تشاد وإفريقيا الوسطى، وشمالاً حتى وادي باري بشمال دارفور وغرباً حتى مورني بغرب دارفور، وفجعت مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور بحادث القتل المفجع الأليم الذي غيَّب وللأبد أحد أشهر زعماء الإدارة الأهلية وأبرز رموزها بدارفور والسودان، وفقدت البلاد واحداً من أعمدة وركائز الحكمة والإدارة والحنكة والتجربة والدربة في قيادة المجتمع وصناعة الوئام الأهلي والسلام والصلح بين الناس.
> عرفت الديمنقاوي فضل وأنا يافع صغير غرير بمدينة زالنجي، حيث كان والدي رحمه الله معلماً في تلك المدينة، ومن طلابه التيجاني سيسي والشفيع أحمد محمد وزمرة من أبناء دارفور في المرحلة الوسطى، وكنا نسكن جوار منزل الديمنقاوي سيسي محمد أتيم، وكان صديقاً للوالد، وكنا نعرف أبناءه فضل والتيجاني وأخوانهم وأخواتهم بحكم الجوار والصداقة المتينة، وكان فضل في ذلك الوقت قد ناهز الأربعين أو يزيد في النصف الأول من عقد السبعينيات من القرن الماضي، فارعاً طويلاً كشجرة الحراز، قوي البنية مثل صخرة تهشمت عليها مصائب الحياة، غير هيَّاب وله مهابة بائنة، رقيق حين يصفو مثل رقة العصافير وصاحب قلب رحيم حين يعطف ويشفق.
> درس الفقيد العزيز في مدرسة الدويم الريفية منتصف الأربعينيات وكان يقبل في تلك المدرسة أبناء الزعامات الأهلية وقيادات المجتمع، لكن والده الديمنقاوي سيسي فضل نقله بعد سنة إلى بخت الرضا لتعليمه مناهج إدارة المجتمعات المحلية والريفية التي كانت تقوم بها بخت الرضا في ذلك الأوان، وكان من زملائه العديد من أبناء النظار والسلاطين وزعماء القبائل، ومن أبناء دارفور وكردفان من رفاقه في تلك المرحلة الأستاذ الكبير مالك الزاكي وعبد الله ضو البيت نجل زعيم البرتي وسليمان مصطفى أبكر «أمبرو» وبكري أحمد عديل وزير التربية والتعليم الأسبق، وعدد آخر ممن تقلدوا مناصب سياسية وتنفيذية في تاريخ السودان.. وكان معروفاً عنه حبه للرياضة ولياقته البدنية العالية وأناقته وخلقه الطيب وحبه لكرة القدم وكان قلب دفاع فريق كرة القدم في بخت الرضا.
> والتحق الديمنقاوي بالشرطة وعمل فيها سنوات طويلة، وزاوج بين خبرته ودرايته بفنون الإدارة الأهلية التي تعلمها في كنف والده الذي يعد من القلائل في تاريخ الإدارة الأهلية بالسودان، يتميز بحسن التصرف والرشد في قيادة الناس والـتأثير عليهم، وكانت الشرطة لفضل سيسي مدرسة جديدة في الإدارة والقيادة وكيفية التصرف بحزم والتعامل بتريث والاستماع للناس والنظر بعين فاحصة والتثبت من أية كلمة والتحقق من كل حديث.. فعرف الناس وطبائعهم وفهم النفس البشرية وتقلباتها، وعرف الناس وأنسابهم والقبائل ومنابتها ومناطقها وبطونها وأفخاذها، وكان مرجعاً في جغرافيا المكان، فهو ينتقل من جبل إلى وادٍ إلى سهل وبطاح.. حتى تقاعد عن عمله في الشرطة.. ثم عمل مفتشاً للقمن بجبال النوبة.. ثم عمل مزارعاً وانشغل ردحاً من الزمن بالعمل السياسي.. وكان كاتباً له عبارة جزلة.. ويتحدث بلغة رفيعة وعبارات رشيقة.
> عند وفاة والده الديمنقاوي سيسي محمد أتيم في عام 1974م، تم الاتفاق على أن يخلفه فضل في قيادة قبيلة الفور، وبعد فترة تولى الزعامة، فوطد علاقاته مع كل القبائل وكان زعيماً للجميع، خاصة أن تلك المنطقة تتعايش وتتساكن فيها كل قبائل دارفور تقريباً، الفور والرزيقات الأبالة السلامات والبني هلبة والمسيرية والتنجر والمساليت والتاما وأولاد منصور والحوطية والترجم والتعالبة والمهادي والفلاتة والزغاوة والأرنغا وغيرهم.
> ولعب الديمنقاوي فضل منذ توليه إدارة الفور دوراً رئيساً في استباب الأمن ومحاربة ظاهرة النهب المسلح، ولم يعقد في دارفور مؤتمر للصلح القبلي إلا وكان هو في مقدمة الوسطاء والأجاويد، وإذا كان الفور طرفاً فيه لعب دوراً بارزاً في التوصل إلى سلام، ويقود القبيلة وراءه إلى ما فيه صالحها وما فيه نفع للجميع، وعندما ظهر التمرد في دارفور وتوالدت الحركات المسلحة، كان له أثره البالغ في تحصين مناطق زالنجي ووادي صالح من خطر التمرد وعصمها من الوقوع في براثن المتمردين بالحكمة والإقناع، وكان ذا منطق وصاحب حجة لا تبارى.. وهو أول من طالب بولاية وسط دارفور ويعد الأب الشرعي لها.
> وبغيابه تفقد البلاد أحد حكمائها وعلماً من أعلام الإدارة الأهلية، وأحد أهم ركائز التعايش السلمي بين القبائل، وحصناً من حصون الأمن والسلام والاستقرار، وستبكيه مدينته زالنجي طويلاً وستذرف عليه دموعاً غزيرة، فهو لم يكن زعيماً أهلياً وحسب، فقد كان من وجوه الخير والبركة والمرحمة مشاركاً للمجتمع في السراء والضراء، ومنافحاً عن الحق ونصيراً للمظلومين.. رحمه الله رحمةً واسعةً، وجعل مكانه في الفردوس الأعلى.. والعزاء لإخوانه التيجاني وفاروق وعباس ومحمد ولإخواته وجميع أهل زالنجي وولاية وسط دارفور.
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة