نظام في مواجهة عالم
> قاتل الله السياسة.. فهي بمقتها وبغضها وقصر نظرها تنحض إلى حضيض لا يتصوره عقل وتسقط إلى الهاوية السحيقة بظلامها وظلماتها وظلمائها، وهذا الذي فعلته السياسة في أم الدنيا مصر.
> ولم يكن يتصور أحد أن تبلغ السياسة في ابتذالاتها وفحش مقاصدها هذا المبلغ الذي تتقدم فيه السلطات المصرية بطلب للإنتربول الدولي تطالب فيه باعتقال أعظم علماء زمانه الشيح الدكتور يوسف القرضاوي بتهمة التحريض والإرهاب!!
> لولا طيش السياسة ولو كان جوازاً ومباحاً، لحق لمصر بكل أركانها نصب التماثيل في كل مكان لهذا الرجل العظيم والعالم الجليل، لما قدمه لدينه ووطنه الأول مصر، وما اجتهد فيه من اجتهاد يرتقي به إلى مصاف رفيع لا يدركه إلا الأعلام تومض فوق هاماتهم نار المجد والثناء.
> ما بال مصر الانقلابية.. برجل حفظ القرآن الكريم كلام الله قبل أن يبلغ العاشرة، وتفوق على أقرانه وأترابه في كل مراحل دراسته من الأولية حتى نال أعلى الدرجات العلمية في العلم الشرعي، وأهدى المكتبة الإسلامية عشرات الكتب والمراجع الفقهية والفكرية في كل الأقضية والمسائل، حيث كان شمول فكره وعلمه وفقهه واجتهاده يغطي كل جوانب الحياة، بفهم عصري متقدم حتى حاز على لقب أفضل الشخصيات تأثيراً في العالم قبل سنوات عديدة، وتبوأ موقعاً يشرف مصر برئاسته لهيئة علماء المسلمين في العالم أجمع، ونال جوائز عالمية تنوء بحملها ظهور الذين تقدموا للإنتربول بطلب القبض عليه.
> ولو لم يكن على وجه البسيطة اليوم في راهن وقتنا الحالي عالم وفقيه ومجدد إلا القرضاوي لكفى ذلك، نظراً لما قدمه الرجل في عمره المديد من خدمة جليلة للإسلام والمسلمين، ولو كانت مصر الرسمية اليوم ترشد وتعي بدقة، مكانة الرجل عند ربه كخادم وعالم تقي ورع سال مداده وعصارة فكره وعلمه نفعاً للناس ورحمة، لاستحت من مقامه وهيبة علمه، ولتوارت خجلاً زمرة المتربصين به من أهل السلطان وهم يمتلئون عليه حقداً وينفثون كما الأفاعي سمومهم حنقاً عليه.
> لكن مسير العلماء على مر التاريخ هو ذاته، لا يستكينون للسلطان مهمها طغى، وعاش هذا الضيق والعسف والتربص والسجون والقتل من قبله، الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل وسعيد بن جبير والإمام أبو حنيفة والإمام ابن تيمية، ومات الإمام ابن سيرين والفقيه ابن أبي ذئب، وفي عصرنا الحديث الشهيد سيد قطب، والشهيد الشيخ أحمد يس، وغيرهم كثير في السجون، والشيخ الدكتور القرضاوي ذاق مرارة السجون منذ عام 1949م في العهد الملكي في مصر، وسجن ثلاث مرات في عهد عبد الناصر، وضاقت عليه أرض مصر وهاجر منها ليعيش في مهجره الذي احتضنه وأكرمه واستضافه، فهو على طريق من سبقوه من العلماء الأفذاذ في تاريخ الأمة، وقد أراد الله به خيراً أن جعل ركام الباطل كله يلهث خلفه ويريد أن يتصيده بغدر ولؤم لا يليق أن يعامل به عالم مثله.. وكلنا نعلم أن من يطالبون بالقبض على القرضاوي زمرة من رعاديد مرتجفين ليس في مصر وحدها بل كل النخب العلمانية التي صحت فجأة لتجد أن الأرض تميد من تحتها، وأن سلطة العلماء فوق كل سلطة سياسية، وتأثيرها أكبر من كل ضجيج البراميل الفارغة في عالمنا العربي والإسلامي.
> وهل كان خطأ القرضاوي ومثالبه أن وقف مع ثورة الشعب المصري ضد نظام مبارك الدموي القاتل الذي جثم على صدر شعب مصر ثلاثين سنة في أسوأ امتدادات زمانية ومكانية لعهد عبد الناصر والسادات، وولغ ذلك النظام في دم المصريين، وكان للقرضاوي دور بارز في منافحة الظلم والقهر، وخاطب الشعب المصري من ميدان التحرير في ساعات لهيب الثورة وانتصاراتها، ولما حدث التراجع والنكوص والخذلان والارتداد عن مسار الثورة المصرية الظافرة، وعاد النظام القديم بعد أن برئ رئيسه وأركانه، حان وقت الانتقام من الشيخ القرضاوي ومحاسبته لدوره في الربيع العربي وقد ارتعدت منه زعانف، لأن العلماء هم وقود الثورات في التاريخ الإنساني، وفي مجراه الطويل ليست هناك ثورة نهضت من الفراغ، وظل مداد العلماء وكلماتهم وخطبهم هي قناديل الثورات ومشكاتها المضيئة، فمن يتحينون الفرص لمحاصرة ومطاردة العلماء مثل القرضاوي سيرتد كيدهم إلى نحرهم، وستكون كل قوى الأمة الحيَّة في صف علمائها، وسيهزم الجمع الغاشم.. وتبقى قوة الحق وكلمته ظاهرة ومنتصرة.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة