مقالات متنوعة

مفوضية الانتخابات و نفخ الكير

في رائعة شكسبير يوليوس قيصر سأل القيصر مستنكراً غدر ولي نعمته بروتس به عندما سدد طنعة قاتلة له ، فأجابه إنني احبك و لكن حبي لروما اشد ، هذا المشهد اراه رأي العين في ما اقدمت عليه المفوضية القومية للإنتخابات عندما سددت طعنة قاتلة للآمال المعقودة على عودة التعايش السلمي لمنطقة ساخنة من مناطق دارفور (رهيد البردي) ولسان حالها يقول حبي اشد و لكن دون توصيف هذا المحبوب الذي يستحق التضحية بصب الزيت على النار مهراً لنيل رضاه حتى لو زهقت ارواح و هلك الزرع و الضرع و افنت الارض من ساكنيها ، إذ تتلخص هذه الفاجعة في خطوة اقدمت عليها المفوضية بتسمية دائرة واحدة (تهم ابو جرادل ) في ولاية جنوب دارفور لتتبع لمحلية رهيد البردي و في الوقت ذاته في ولاية وسط دارفور تتبع لمحلية أم خير !!
تاريخياً و حتى إنتخابات العام 2010 ظلت الدائرة القومية رقم (20) رهيد البردي ابو جرادل تتبع لجنوب دارفور و فاز فيها مرشح المؤتمر الوطني عبد المنعم امبدي طه و الدائرة الولائية ذاتها فاز فيها مرشح المؤتمر الوطني حماد الحسين الحاج ،بلا مسوغات نشرت المفوضية كشوف التسجيل و سمت الدائرة (19) تهم ابو جرادل و تبعتها لمحلية ام خير بولاية وسط دارفور التي يفصل بينها و بين الدائرة محليتي مكجر و أم دخن !!
لا يفهم هذا الإجراء على انه خطأ سيما و ان الصراع القبلي لم تطوى صحائفه حتى الآن و آثره ناخر في جسد التعايش السلمي في هذه الرقعة من البلاد إذ ظلت الحكومة المركزية تنتهج خطاً بيناً لا لبس فيه و لا غموض بالإبقاء على الأوضاع كما هي دون ترسيم أو تحديد تبعية جديدة تخالف الوضع التاريخي المعلوم كما تفعل بتبني سياسة التنويم لكل مشكلات الارض في دارفور لذا نتسائل لمصلحة من تنكأ هذه الجراح و لماذا هذا التوقيت ؟؟
لقد صدر بيان من جماعة تسمي نفسها فرسان الراية الزرقاء تدعو رئاسة الجمهورية أن تبقي الوضع على ما هو عليه حقناً للدماء و وفاءاً بعهدها كما وجهت في السابق ، و ان تلغي هذه الدائرة الوهمية فوراً على حد وصف البيان و انهم سيعملون على التصدي بالقوة و منع قيام اي انتخابات خارج التقسيم الجغرافي القديم ، من هذا البيان ندرك فداحة الخطأ و صعوبة التصويب من قبل المفوضية مهما فعلت و بررت ، لأن ما اقدمت عليه عصى على الفهم و الهضم للنخبة المثقفة قبل العوام ، و سيلحق بالعملية الانتخابية اضراراً جسيمة و تضع صدقيتها و حيادها على المحك بجانب اصدار شهادة وفاة للسلم و التعايش حتى لو لم تجري هذه الانتخابات ، إن نذر الصراع تلوح في الأفق و طبول الحرب تقرع لو لم تتدخل رئاسة الجمهورية لحسم هذه المعضلة بخطوة إستباقية لا بتقنية رجال الإطفاء.
لقد تلقى مجتمع دارفور ضربات قاسية جداً جعلت من العسير توقع التريث في التعامل مع هكذا مواقف ناهيك عن المطالبة به فالشروخ و التصدعات لا يمكن تخيلها برغم مؤتمرات الصلح العديدة و لقاءات الوسطاء الفاترة بل كل الطرق موصدة أمام لعب أدوار موجبة تحقن الدماء و تزيل مكدرات الأجواء من اي طرف.
إن تقديرات المفوضية جانبها التوفيق و ستكون وبالاً على الجميع ما لم تخمد باكراً و تلاحق بعمل جاد لا يظهر فيه أحد بأنه خاسر و كل ما طال الزمن تعقد الموقف تلاشت الحلول ، لن أرجم بالغيب و اقول كلاماً رومانسياً بان هذا البيان يتبخر كما يشتهي مراهقي السياسة الذين اسماهم البيان بمحور الشر و الفتنة ، اللعب بالنار شيء و خطورة الموقف شيء آخر سيما و ان النواب المبجلون عن هذه الدائرة يعيشون بياتاً شتوياً لا يأبهون لمصير البسطاء الذين إستأمنوهم انفسهم و ارضهم لكنهم خانوا بهذا الصمت حتى سددت المفوضية طعنتها القاتلة و هم مشغولون بحب حبيب آخر كما يفعل سائر النواب إلا من رحم الله و قليلٌ ما هم ، فالجدية مطلوبة و بشدة حتى لا نعض الاصابع عندما تقع الواقعة لا سمح الله ، كما نأمل تعزيز خطوط الإلتقاء و التبصر و المخاطبة العقلانية لكبح هذا الفلتان و حتى لا تحرق ثيابنا بفعل هذا الكير الذي تنفخه المفوضية .

الفاضل ابراهيم فضيل