حكومة ردود الأفعال..!!
قبيل انتفاضة أبريل المجيدة بيومين أرسل الرئيس جعفر نميري برقية يطلب من جحافل مايو الذود عن ثورتهم.. “وأنا هنا في واشنطن ظللت أتابع بالثقة واليقين تصديكم الشجاع وصمودكم الراكز لفلول الخيانة وواجهات العمالة التي تصاعد عداؤها حقداً على الشعب وثورته،”.. رجال مايو قرروا بعدها تسيير مسيرة الردع.. خرجت تلك المسيرة ضعيفة وخائرة القوى.. عندها أدرك رجال الجيش أن الثورة قد ماتت.. قبيل المواجهة الكبرى التي كان موعدها صباح السادس من أبريل أعلنت قيادة القوات المسلحة انحيازها للشعب.. هكذا تم إطلاق رصاصة الرحمة على مايو حينما افتقدت المبادرة وتملكها إحساس الإفراط في الثقة.
قبل أيام زار الأستاذ ياسر يوسف مقر إدارة البث الإذاعي والتلفازي بأم درمان.. من هنالك بشرنا يوسف بأن البث الإذاعي والتلفازي سيغطي كافة ولايات السودان.. إمعاناً في تأكيد أهمية الأمر أكد وزير الدولة أن وزارته تقوم بهذا العمل إنفاذاً لتعليمات رئاسة الجمهورية، وتوجيهات رئيس المجلس الوطني.
سر الاهتمام المفاجئ بتوصيل الخدمة الإعلامية إلى مواطنين سودانيين يدفعون الضرائب لم يكن من باب الإنسانية المفرطة.. حكومتنا اكتشفت أن إذاعة صغيرة اسمها (راديو دبنقا) ترسل بثّها من وراء البحار الباردة في هولندا يمكن أن تسبب إزعاجاً كبيراً.. في المرة الأولى لم يفكر ياسر يوسف إلا في الأساليب السودانية المجربة.. فكر الرجل وقدر وقرر التشاور مع أقمار البثّ مثل عربسات ونايلسات للتشويش على تلك الإذاعة.. حينما أدرك الوزير أن ذلك أمر صعب ودونه مواثيق وعهود أممية قرر دخول سوق منافسة هو فيها من الخاسرين.
كان ذلك أمر (راديو دبنقا)،وزير الإنقاذ الشاب ياسر يوسف.. قبيل أيام وقعت بعض الكيانات السياسية إعلاناً جديداً في العاصمة الإثيوبية أسموه (نداء السودان).. هذا النداء سبقه بأسابيع إعلان باريس، ثم اتفاق أديس أبابا، وقبل كل ذلك ميثاق الفجر الجديد.. المعارضة اكتشفت أن بإمكانها أن تحقق ما تصبو إليه عبر استفزاز الحكومة عبر التوقيع على وثائق تحت أضواء الكاميرات.. لم تخيب الحكومة ظن المعارضة واعتقلت الموقعين وغيرهم.. كل ذلك في موسم الحوار الوطني، وإبان التنافس الانتخابي.
مفكرو الحزب الحاكم اجتهدوا في مواجهة خطوة إعلان نداء السودان.. جادت قريحتهم بفكرة استنساخ نداء مماثل.. على عجل تم استدعاء مجلس أحزاب الوحدة الوطنية؛ لإصدار وثيقة مضادة تحت اسم نداء الوطن.. رئيس مجلس أحزاب الحكومة عبود جابر ندد بنداء السودان، وطالب الرئيس بإصدار عفو شامل.. الغريب أن مجموعة عبود جابر لا تشمل أكبر حزب مشارك في الحكومة، وهو الحزب الاتحادي الأصل.
هنالك نماذج كثيرة تؤكد أن الحكومة فقدت زمام المبادرة في طرح القضايا الوطنية، وإيجاد الحلول لمشاكل بلد يعيش في عزلة.. حرب ردود الأفعال واضحة حتى داخل الحوش الحكومي.. قبل أيام طرح مصطفى عثمان رئيس القطاع السياسي إمكانية النظر في تأجيل الانتخابات.. ردّ عليه بعد أيام أمين الإعلام بذات الحزب (لن يتم تأجيل الانتخابات- ولو دقيقة).
بصراحة.. بات المرض واضحاً.. أكبر حزب بات عاجزاً عن العطاء.. ينتظر الآخرين ليتحرك في المساحة المحدودة جداً للحركة.
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]