مقالات متنوعة

تناقض الحريات بين شرقٍ وغرب


تناقض الحريات بين شرقٍ وغرب
في الوقت الذي تحتفل فيه أمريكا بوصول عدد النساء إلى 100 امرأة في الكونغرس ولأول مرة في التاريخ الأمريكي، وذلك بعد فوز مرشحة الحزب الديموقراطي الأمريكي، آلما آدامز، تتظاهر في باريس ناشطات “فيمن” ضد الرئيس فرانسوا هولاند.

وهذه التظاهرة المتكررة خلال أسبوع واحد كانت للتنديد بعقوبة سجن مع وقف التنفيذ بحق ناشطة تظاهرت عارية العام الماضي. تجاوز الرئيس هولاند تظاهرة النساء، ولسان حاله يقول ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما تظاهرت عدة نساء عاريات الصدر احتجاجاً على نظامه السياسي قبل عام، فقال لهنّ الرئيس الروسي: من يريد أن يتحدث في السياسة عليه أن يرتدي ملابسه. وهذه المقولة يمكن فلسفتها على نطاق واسع وإنزالها على السياسيين ليتبدى احتشام المظهر وافتقار المخبر.

ليس الغرب كله مصدراً للإشعاع الحضاري، وتتركز الأبصار في فرنسا بالذات بوصفها راعية قيم الحقوق والحريات منذ الثورة الفرنسية 1789م، فما يتوقع منها هو أن تكون قد تجاوزت مرحلة التظاهر البدائي، عند كل صغيرة وكبيرة.

تُلقِي كلمة نضال بثقلها المعنوي على اللفظ فيتبادر إلى الذهن مباشرة أشكال عديدة منه مثل النضال التحرري ومقاومة الاستعمار والنضال ضد الفصل العنصري، النضال من أجل حقوق المرأة ، وغيرها. وما نعيه جيّداً أنّ النضال يرتبط دوماً بنوع القضايا إنسانية أو وطنية أو اجتماعية فيضفي عليها جمال الاتزان حتى ولو كان نضالاً ثائراً.

أما ذلك الشعار المغموس في شيء لا يشبه النضال من قريب أو بعيد وهو (الكفاح العالمي بصدورٍ عارية) فقد تم تدشينه ضد حكم الإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي وكانت قد رفعته ناشطات حركة “فيمن” المدافعة عن حقوق المرأة للتضامن مع اختفاء المتعرية أمينة تيلر الناشطة النسوية التونسية.

قامت تيلر في العام الماضي 2013م بوضع صورة لها على فيسبوك وهي عارية الصدر وقد كُتب عليها: “جسدي ملكي ليس شرف أحد” . تأثرت أمينة التونسية بعلياء المهدي المصرية التي نشرت صورتها وهي عارية في مدونة أسمتها “مذكرات ثائرة” في أواخر أكتوبر 2011م .

وواصلت علياء هوايتها أو هوسها مرة أخرى في ديسمبر 2012م مع ناشطات ينتمين إلى منظمة “فيمن” أمام السفارة المصرية في السويد رفضاً للدستور المصري آنذاك وقد كتبت علياء على جسدها العاري وهي رافعة علم مصر عبارة “الشريعة ليست دستوراً” .

بهاتين الحادثتين اعتقدت أنّ الظاهرة عربية إسلامية نسبة لارتباط علماء عصرنا بدرجة من درجات الجِمنوفوبيا (رهاب التعرّي). والجِمنوفوبيا كما جاء تعريفها في الموسوعة العربية (ويكيبديا) هي كلمة يونانية تعني الرُّهاب المرضي من العُري.

ومن يعانون الجِمنوفوبيا يُصيبهم مرأى العُري بالاضطراب، حتى مع علمهم بأن رهابهم غير عقلاني. فقد يخشون مرأى أشخاص آخرين عُراة أو قد يخشون أن يراهم الآخرون عراة، أو كلا الأمرين. قد ينبع رهابهم من اضطرابات عامة بشأن الجنسانية، أو دِعَة حالتهم الجسمانية، أو خشية أن يجعلهم العري مكشوفين وغير محميين. وهذا المرض بالطبع لا يختلط مع كراهة العُري بمبررات الحشمة أو بمبررات أخرى عقلانية أو أخلاقية.

ويبدو أنّ الأمر أكثر من رهاب وإنّما إرهاب وهوس تمارسه الناشطات النسويات يُدعى النودومانيا (هوس العُري) . وهؤلاء المهوسات هنّ في الغالب يعانين من اضطرابات نفسية وسلوكية اتفقت مع شعارات الحركة النسوية المذكورة.

شعور الإنسان الذاتي بأنه حرٌّ هو شعور يصعب تكذيبه، ولكن الحكم العام على حرية الإنسان هو أنّ الإنسان حرٌّ في تصرفاته وفقاً لخصائصه ودوافعه وظروفه والتي تُحدُّ في مساحة تحركها بعدم تعديها على حريات الآخرين. وفي مجتمعنا فإنّ حالة علياء وأمينة بنشرهن هذه الصور في وسائل اجتماعية يطلّع عليها كبار وأطفال ومراهقين بما يخدش الحياء العام ويتجاوز خطوط المسموح به يصعب معه تدشين أي أهداف أو مبررات يسغنها.

إنّ الحرية الشخصية في كافة الأديان السماوية كما في المواثيق الدولية تتضمن حرمة الذات التي تقرر كرامة الإنسان واحترامه وعدم امتهانه. كما تتضمن تأمين الذات بضمان سلامة الإنسان وأمنه في نفسه وعرضه وماله من كل اعتداء سواء باعتداء الشخص على غيره أو على نفسه.

الكاتبة : منى عبد الفتاح