مقالات متنوعة

لا «للإهدار» خارج المحاكم.. وأصاب السنوسي

لا «للإهدار» خارج المحاكم.. وأصاب السنوسي
ما كان الشيخ ابراهيم السنوسي يحتاج إلى اطلاق تصريحات تحذيرية إلى من اعتبرهم يمسُّون زعيم حزبه حسن الترابي، فنحن في دولة القضاء فيها مستقل، وكل من تحدثه نفسه لممارسة خدمة قضائية «خاصة» موازية للخدمة القضائية، فقد خالف الشريعة الإسلامية وخرج على الدولة. لذلك لا يتسنى لغير المحاكم إهدار دماء الناس بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم وقناعاتهم.
القاضي هو من يحدد ـ بكل درجات التقاضي ـ الحكم المستحق وليس غيره.
والقاضي المختص لا بد انه يكون مطلعاً بكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. وكل ما هو واجب أو مستحب، وكل ما هو محرّم، وهذا يؤهله لمعرفة ما هو في حكم المباح. لكن أن يطلق البعض تصريحات تتحدث عن إهدار دم امرئٍ دون محاكمة وإدانة قضائية ودون أن يأتي مثل هذا الحكم من قاض مختص، فهذا يبقى عبثاً. وهنا لست بصدد الدفاع عن الترابي طبعاً. لكن الحق يقال. والتصريحات التي تحمل أحكاماً ضد الناس دون أن تكون صادرة عن القضاء وتعكسها الوسائط الإعلامية، تبقى مدعاة للفتن، ولوقوع ما لا يحمد عقباه. لذلك كان القضاء هو الفيصل بين الناس في ما هم فيه مختلفون. ومن يصرّح بإهدار دم شخص ما بغض النظر عن دينه حري به أن يذهب إلى المحاكمة بصفته شاكياً ويرفع دعواه. فمثل هذه التصريحات تكون في «الدعوى».. وليس في «الدعوة». فالأولى شأن قضائي، أما الثانية فهي واجبة على كل مسلم، وليس من بين الوجوب على المسلم أن يصدر الأحكام باهدار دماء الناس في الهواء الطلق وخارج دائرة القضاء.. وإلى هنا نتفق مع الشيخ السنوسي.
لكن أن يطالب أو يدعو الخطباء بإجراء مناظرة فهذا ما اختلف فيه هو مع الترابي الذي يرفض تماماً مثل هذا اللقاء، وسبق أن دعاه الشيخ محمد سيد حاج طيب الله ثراه حينما قدموا له أحد جماعته، فرفض رحمه الله وتمسك بمناظرة شيخه فقط. وحتى في قناة «الجزيرة» نجد الترابي يستجيب لبرامج مثل «بلا حدود» و «الشريعة والحياة» لكن لم نره ذات يوم في حلقة من برنامج «الاتجاه المعاكس» ذي الطبيعة الجدلية.
لكن هل ما انتقد الخطباء فيه حسن الترابي بالفعل يستدعي مناظرة؟! كلا.. فهو لا يستدعي مناظرة ولا يستدعي تصريحات خارج سلطة القضاء بإهدار دماء الناس. إذن ماذا يستدعي؟! إن القضاء هو الفيصل، والقاضي المختص يفهم تماماً كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة من خلال النصوص القرآنية والحديثة.
وإذا كنت اتفق مع الشيخ السنوسي في رفض اطلاق الاحكام خارج دائرة القضاء، إلا إنني اختلف معه في قوله الذي وجهه إلى الخطباء بقسوة شديدة، حيث قال بانفعال: «هؤلاء الجهلاء الذين لا يفهمون الفقه ولا يفهمون عدل الله تعالى» .. انتهى.
والسؤال هنا: ترى هل تأسف وتحسر الشيخ السنوسي على مشاركته حركة 2 يوليو 1976م التي سمّاها إعلام نميري «المرتزقة» وكان قد قتل فيها اللواء حسن الشلالي قائد السلاح الطبي حينها بدم بارد، وهو طبيب كان في طريقه إلى مكان عمله؟!
إن من يفهمون الفقه لا يخرجون على الحاكم. وفي عام 1976م كان نميري قد عاد إلى الحكم بعد خمس سنوات، فحارب الحزب الشيوعي الذي وقفت الحركة الإسلامية وراء طرده من البرلمان. وحقق السلام في الجنوب باتفاقية مارس 1972م.. فهل من يعرفون الفقه يخرجون على نميري في ذلك الوقت؟!

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة