حول تقرير بنسودا
> يبدو أن كثيراً من الناس لم يفهم بالضبط ما عنته الخطوة التي قامت بها فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وتقريرها الذي قدمته لمجلس الأمن الدولي حول قضية دارفور، واعتبرت بعض وسائل الإعلام عندنا والتعليقات السياسية التي صدرت، أن ما تم هو وقف التحقيقات وإرجاع ملف قضية دارفور إلى مجلس الأمن الدولي وإذعان المحكمة واعترافها بفشلها!! لكن ما حدث هو العكس تماماً.. ولا بد من قراءة دقيقة لما جرى وسيجري والانتباه لما وراءه والإعداد الجاد لمواجهته وقيادة حملة سياسية ودبلوماسية وإعلامية ضخمة حتى لا نؤتى على حين غرة، أو نضرب في مقتل بسوء التقدير لمعطيات الواقع.
> في هذا الصدد لا بد من إيراد الحقائق التالية عند الخوض في هذه المسألة المعقدة الشائكة التي نبتسرها بالحديث عن إخفاق المحكمة وقلة حيلتها.
> أولاً: ما قدمته السيدة فاتو من تقرير لمجلس الأمن الدولي، هو تقرير دوري تقدمه كل ستة أشهر بناءً على القرار «1593» الصادر في مارس 2005م الذي تمت به الإحالة للمحكمة الجنائية، وهذا التقرير هو رقم «20»، حيث يقدم الإدعاء العام للمحكمة خلال عهدي أوكامبو وفاتو، على مدى عشر سنوات، تقرير إحاطة في ديسبمر ويونيو من كل سنة، يحتوي على الوضع في دارفور والموقف من تنفيذ قرارات المحكمة بخصوص المتهمين، ولا يتضمن القرار جديداً غير أن المدعية حاولت في هذه المرحلة استفزاز مجلس الأمن الدولي لمعاونتها ومساعدتها بالضغط على السودان وتدعيم الآليات التي تضمن تنفيذ قرارات المحكمة وأوامر القبض الصادرة عنها، وأرادت فاتو بنسودا أن تقول لمجلس الأمن الدولي.. إنها لن تقوم بأية تحقيقات جديدة في دارفور خاصة في قرية تابت بشمال دارفور حول إدعاء اغتصاب مائتي امرأة، لأن مجلس الأمن الدولي لم يفعل شيئاً حيال القضايا الأربع السابقة المتهم فيها الرئيس عمر البشير ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون وعلي كوشيب، وخلاصة تقرير المدعية هو ابتزاز للمجلس.. فإن أرادها أن تفعل شيئاً تجاه القضايا الجديدة عليه أن يساعدها في تنفيذ أوامر القبض الصادرة في القضايا القديمة!! وقد أشارت في تقريرها إلى الذكرى العاشرة لإحالة ملف هذه القضايا التي تحل في مارس المقبل.. «ونرجو الملاحظة أن موعد الذكرى العاشرة المراد فيها تسخين هذه القضية متقارب مع موعد الانتخابات عندنا في السودان».. هذا للتذكير..
> ثانياً: من الضروري الإشارة هنا إلى التدابير غير المعلنة والتحضيرات التي سبقت تقديم التقرير، فإحدى عشرة دولة من جملة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الخمس عشرة أيدت التقرير وحددت مواقفها الداعمة للمدعية العامة، وللأسف دولة جارة مثل تشاد كان لها موقف مثير للتساؤل لا يتسق مع قرار الاتحاد الإفريقي في حماسها لتأييد ما قالته فاتو، وكذلك دولة شقيقة مثل المملكة الأردنية الهاشمية التي خالفت الإجماع العربي وأيدت بشكل مخزٍ تقرير فاتو، وتحدث مندوبها داخل المجلس عن ضرورة محاكمة المتهمين وعدم الإفلات من العقاب!! وهذا يعني أن مشاورات تمت قبل تقديم التقرير وحشدت مواقف دولية مساندة له، والدول التي وقفت مواقف مغايرة ومتضامنة مع السودان هي روسيا والصين ورواندا ونيجيريا وكانت مواقفها حاسمة وواضحة ويبدو أنها استندت إلى ما سبق وأعلنته، ثم تفاعلها مع الجهود التي بذلتها الدبلوماسية السودانية ممثلة في بعثة السودان لدى الأمم المتحدة التي قادت اتصالات دبلوماسية حثيثة قبل تقديم التقرير وشرحت فيها الوضع بدقة، الأمر الذي دعا هذه الدول الأربع إلى تبني موقف إيجابي يصب لصالح السودان.
> ثالثاً: في هذا التقرير توجه جديد وخطير، وهو طلب اتخاذ مجلس الأمن إجراءات جديدة في شكل آليات متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة، وتجرى مشاورات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حول شكل هذه الآليات قبيل تقديمها كمشروع قرار في وقت لاحق لمجلس الأمن الدولي، وقد تكون الآليات مزيداً من الترتيبات لاستخدام لجان العقوبات التابعة للمجلس لفرض إجراءات عقابية على السودان أو على الأفراد، وممارسة الضغوط الثنائية على الدول المختلفة لإحكام العزلة على البلاد وتقييد أكثر لحركة الرئيس البشير، والضغط على الدول التي تستقبله هو والمتهمين الآخرين، ومعلوم أن المحكمة ليست لديها آليات ولا وسائل تعيق تحركاتهم ولا للقبض عليهم، فاللجوء لمجلس الأمن الدولي هذه المرة بهذه الكيفية له ما وراءه.
«غداً نواصل».
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة