مقالات متنوعة

دبلوماسية أم دعاية خبيثة يا سفارة لندن


دبلوماسية أم دعاية خبيثة يا سفارة لندن
نعم بالأمس مرّت الذكرى الأولى لاندلاع الحرب داخل قوات الجيش الشعبي «جيش دولة جنوب السودان» هناك بعد اتفاقية نيفاشا وبعد الانفصال وبعد «الوفاء» اليهودي والأمريكي الذي جنى ثماره شعب جنوب السودان، وثماره مرة طبعاً وهي القتل والأذى الجسيم والتشريد والرعب والجوع والفقر والمرض في دولة ولدت نفطية. فأين بالله هذه الصداقة الاسرائيلية والأمريكية والأوروبية؟!
هل كانت كل هذه القوى الأجنبية تريد أن يكون جنوب السودان هكذا؟! لقد كان. ولكن ماذا بعد أن كان؟! بعد أن مرت بالأمس الذكرى الأولى لفتنة الحرب القبلية داخل جيش دولة الجنوب التي هي واحدة من ثمار صداقة القوى الأجنبية مع الحركة الشعبية «لتحرير السودان».. لم يصدر عن السفارة البريطانية في الخرطوم بياناً يستنكر الحرب هناك ويندد باستمرارها، ويعبر عن الاستياء من تعثر مفاوضات الرموز السياسية للقبيلتين المتناحرتين «الدينكا والشلك»، وإنما صدر بيان تنبيهي لرعايا المملكة المتحدة، يحذرهم من السفر إلى جنوب السودان، وأيضاً مناطق عدة في السودان. وفي الفهم الغربي طبعاً أن مرور ذكرى كارثة تنشأ منه توقعات بوقوع أحداث ضد الأرواح والممتلكات، لكن قبل أن نقرأ جزءاً من بيان سفارة لندن هنا دعونا نسأل: ما هي علاقة السودان بما يحدث في جنوب السودان حتى تتوقع السفارة البريطانية وقوع أحداث مؤسفة ودامية ضد رعايا المملكة المتحدة؟! وهل في ثقافة الرجل الإفريقي غير الواعي بما يحاك ضده من بعض العواصم الغربية زائداً عاصمة دولة اليهود، هل في ثقافته ان يعد لإيقاع أحداث يوم مرور ذكرى حرب أو أية مصيبة؟!!
ومن من الجنوبيين تتوقع سفاة لندن أن يقوم بمهاجمة الناس في السودان وفي المناطق المذكورة في بيان التحذير الصادر عنها أمس الأوّل، أي قبل حلول الذكرى الأولى لفتنة الجيش الشعبي الذي تكوّن بدعم من دول الاستكبار لمحاربة الجيش السوداني؟!
على أية حال لا داعي لصدور هذا البيان من سفارة لندن في الخرطوم أولاً.. وإن كان لا بد منه فلا داعي لمنع رعايا المملكة المتحدة من السفر داخل السودان باستثناء المناطق التي تتخندق فيها الحركات المتمردة برضاء تام من دول الاستكبار بما فيها بريطانيا نفسها.
والبيان يقول: «نرجو من البريطانيين الامتناع عن السفر يوم 15 ديسمبر حيث الذكرى الاولى لاندلاع العنف في جنوب السودان إلى ولايات دارفور والبحر الاحمر المتاخمة لدولة إريتريا وولايات شمال كردفان، جنوب كردفان والنيل الازرق وعدم السفر إلا للضرورة».. انتهى.
وهنا نسأل: هل هناك سفر لغير ضرورة؟! واذا افترضنا هذه الضرورة مثلاً، فلماذا يكون حتى لضرورة في مثل هذا اليوم؟! هل تمنع الضرورة الذي تخشاه السفارة؟!. بيان غبي. لو كان هناك ما يستدعي الامتناع عن السفر فحتى هذه الضرورة ينبغي أن يؤجل لها السفر إلى ما بعد اليوم أو الأيام التي تمر فيها ذكرى اندلاع العنف في الجنوب. فليس أهم من الأرواح الضرورة التي تستدعي السفر يا سفارة الإمبراطورية «الاحتلالية» التي غابت عنها الشمس .. شمس الاحتلال والظلم كما يحدثنا التاريخ.
أما ولاية البحر الأحمر فماذا يمكن أن يحدث فيها عند مرور يوم أو أيام ذكرى اندلاع العنف في جنوب السودان؟! هل للحركة الشعبية مكتب في بورتسودان أو سواكن أو سنكات أو حلايب أو شلاتين؟!
يبدو أن سفارة لندن تريد أن تستفيد من هذا البيان الفطير في استمرار عكس ما هو غير حقيقي عن الأوضاع الأمنية في السودان تآمراً على استراتيجية خروج قوات اليوناميد المقيمة تحت حماية الجيش السوداني، وتعويق مشروعات الاستثمار الآسيوية المختلفة في هذه المناطق. ونحن نذكر دائماً وابداً لماذا كان سن قوانين المناطق المقفولة إبان الاحتلال البريطاني للسودان.
إذن لا داعي لصدور هذا البيان.. أو على الأقل لا داعي للتحذير من السفر «إلا للضرورة» إلى ولايات البحر الأحمر ودارفور وكردفان.. وكأن هذه الضرورة من شأنها أن تمنع ما تتوقعه السفارة. أو كأن هذه الضرورة أهم من أرواح الرعايا البريطانيين، أليس كذلك؟! واذا كان هنا ما سيقع ضد أجانب من بينهم رعايا بريطانيا فهذا لا يحتاج إلى انتظار مرور الذكرى الأولى لاندلاع العنف في دولة جنوب السودان. إن هذا العنف ثمار لبذور بعضها زرعته بريطانيا. الجيش السوداني كان يحمي شعب الجنوب، لكن الجيش الشعبي الذي دعمته وأيدته بريطانيا وصديقاتها هو مصدر اندلاع العنف في الجنوب وزعزعة أهله المساكين.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة