يدينا خيركم
الكرة السودانية بخير.. هكذا أظن غير موقن، فقد كانت معظم الفرق السودانية إلى وقت قريب تدخل الميدان للتبارى دون خطة ومنهج معين، كثير من المدربين كان يقول لأعضاء فريقه كلاماً سريالياً غامضاً فيما يخص خطة اللعب ثم يركز بقية كلامه في الحماسة ويطلب من اللاعبين الأداء الرجولي والقوي، حتى أن مدرباً شهيراً سألوه كيف نجحت في الصمود بفريقك إلى الدرجة الأولى، فرد- وكان فريقه قادماً من إحدى الولايات الشرقية- رد قائلاً جمعت التيم في غرفة الملابس، وقلت لهم إن لم تنتصروا اليوم فلن نستطيع الرجوع إلى الولاية التي تبرع كل فرد لنا فيها بمبالغ ضخمة فتحمس الجميع وانتصروا.. أحد المدربين الأجانب كان يقول- ساخراً: إن اللاعب السوداني يؤدي العشر دقائق الأولى بخطة المدرب ثم يختلط الحابل بالنابل بعد ذلك فلا تعرف كيف يلعب خصمك ولا تعرف كيف يلعب فريقك والنتيجة في رحم الغيب، ولا تعرف لماذا انتصرت ولا لماذا انهزمت.. نعم كان هذا في الماضي القريب، ولكن الحال بدأ في التحسن، وأصبح لكرة القدم واللعبة ملامح قانون وخطة وطريقة لعب.. المشكلة تبقت في السياسة.
السياسة في السودان على وفرة جمهورها وغزارة لاعبيها وشدة وحدة تأثيرها ما زالت تؤدي بلا قانون.. وبلا خطة.. الأحداث الكبيرة والعظيمة وقعت في رأس الناس فجأة.. أسماء كثيرة صعدت إلى مواقع حساسة بالصدفة.. راجعوا كيف تم اختيار سر الختم الخليفة لموقع رئيس حكومة أكتوبر الانتقالية، ثم اضحكوا واستغفروا الله.. اسألوا سليمان محمد سليمان كيف أصبح عضواً في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ، ثم تحوقلوا ما شاء لكم..
كل الأحزاب والجماعات والمجموعات السياسية لا يوجد لديها قانون للمارسة وخطة للأداء.. كلهم يؤدون على طريقة (العبوا بي رجالة والله يوفقكم).. الجميع يكتب وينشر ويدون ثم الجميع يقذف كل ذلك في الفضاء العريض.. في وسائط الإعلام يستحيل أن تعرف أحجام الناس وأوزانهم.. كلهم ضخمون وكبار وخطيرين.. وفي ميدان الممارسة والفعل.. (حضرنا ولم نجدكم)..
أنا أكتب هذا وأنا أتصفح أرشيف المواقف السياسية لكل حزب منذ ثلاث سنوات فقط .. انتبهوا ثلاث سنوات وليس ثلاثين سنة.. يومها الصادق المهدي لوَّح باعتزال العمل السياسي، وهاجم جبريل إبراهيم الصادق المهدي لموقفه من الجبهة الثورية، وهاجم الصادق تحالف قوى الإجماع، وأسرف المؤتمر الوطني في الغزل في السيد الإمام فعزه وخصه بوشاح.. لا يظنن أحد أن الوقائع والسياقات قد تغيرت مذاك إلى الآن.. أبداً والله.. كل الذي حدث أن سياسينا المبجلين قد (انقلبوا) في نومهم على صفحتهم الثانية.. يدينا خيركم.
الكاتب : حسن إسماعيل
هذا قولي – صحيفة التيار