مقالات متنوعة
ميزانية 2015م بين الديون الخارجية والاختلاسات الداخلية
وسبق هذا التصريح البرلماني الأخير تصريح أطلقه رئيس البرلمان الدكتور الفاتح عزالدين في مناخ تلاوة تقرير المراجع العام يشير إلى «وضع المطهرات على الجرح حتى ولو كانت مؤلمة».. والمقصود هو القيام بإجراءات رقابية لحماية المال العام من الاعتداءات بكل أشكالها وأنواعها.
إذاً الميزانية ليست مشكلتها الديون الخارجية الغالبة عليها في كل عام فقط، وإنما أيضاً الاختلاسات والاعتداءات الداخلية.. إذن السياسة المالية لميزانية العام 2015م تبقى محاطة بوضع أمرين هما معايير لها مراعاة للديون الخارجية ومطهرات على الجرح مؤلمة جداً.
بعد ذلك يمكن أن يتلو المراجع العام في ديسمبر من العام القادم تقريراً خالياً من آثار غلبة الديون الخارجية إلى حد كبير، وأيضاً خالياً من أرقام الاعتداءات والاختلاسات الداخلية.
لا داعي أن نقول لماذا لم تكن هذه الإجراءات المالية والرقابية لصالح سلامة الميزانية من العجز والسرقة والاعتداءات منذ ربع قرن من الزمان.. ولماذا لم يشمل مصطلح «الإنقاذ الوطني» التي اتسمت به هذه الحكومة هذه الإجراءات الضرورية لأن «الفات مات». لكن دعونا نتابع وضع المعايير لمواجهة غلبة الديون الخارجية، فلا نرى ضخ عملات صعبة لاستيراد بضائع ليست ضرورية. مثل لعب الأطفال وكثير من أنواع الملابس التي طالما اخذت تضايق وتحصر الزي القومي «الأبيض» في أعمار معينة وفي الغالب فوق الخمسين. وكان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين اثناء زيارته مؤخراً الى البلاد قد عبر عن اعجابه بطريقة لف عمامة رئيس اتحاد الصحفيين الاستاذ الصادق الرزيقي. ولو كانت أقمشة الجلاليب والعمائم تستورد أيضاً فيمكن أن يكون تجهيزها هنا وحتى تطريز الشالات يمكن ان تكون بأنامل بعض نساء السودان ضمن برامج الاسر المنتجة.. وكثير يمكن ان يكون ضمن وضع المعايير لمواجهة غلبة الديون الخارجية على الميزانية في كل عام. لكن إذا كان موضوع الديون الخارجية واقعاً ماثلاً ولا تحتاج غلبته على الميزانية الا الى ما اشار اليه البرلمان، فالموضوع هنا ليس موضوع «وقاية» وانما موضوع مواجهة لأن «الفأس وقعت في الرأس».. فأس الديون الخارجية طبعاً.
لكن الوقاية تكون من الاختلاسات والاعتداءات سواء بوضع المطهرات على الجرح كما وعد بذلك الفاتح عزالدين رئيس البرلمان. وطبعاً نتيجة وضع المطهرات هذه لوقاية المال العام من ايدي اللصوص، تبقى منتظرة في تقرير المراجع العام الذي سيتلى في ديسمبر القادم بإذن الله. وطبعاً هناك ربما من سيظن أن فكرة وضع المطهرات على الجرح، تأتي من باب الاستهلاك السياسي. وتبقى الطامة البرلمانية إذا بالفعل كانت هذه الفكرة هكذا.
إذاً تنفيذ الفكرة يتطلب آلية قوية حتى يخلو التقرير القادم من أرقام الاختلاسات المغيظة. هذا الشعب ظل يكتوى بنار الغيط من سرقة ماله وتوقر صدوره بعض الامتيازات التي توهب للبعض مثل التي اشار اليها رئيس تحرير الزميلة «السوداني» الاستاذ ضياء الدين بلال وهو يتناول موضوع تسليم أراضي لبعض الصحفيين.
أنا من المتفائلين برئاسة دكتور الفاتح عز الدين للبرلمان، فهو ما دام إنه يتحدث عن وضع المطهرات على الجرح وإن كان هذا قد جاء متأخراً، فلعله امتلأ غيظاً من أرقام تقرير المراجعة العامة حول الاختلاسات والاعتداءات.. وكان انفجار هذا الغيط هو الاعتزام على وضع المطهرات على الجرح.
إن التوفيق في أية خطوة بيد الله.. أي أن صاحب الفكرة والجهد يمكن أن يخفق.. إذا لم يجد تعاوناً. وهناك من يفرق بين الإخفاق والفشل، فالأول هو فشل المحاولة أم الثاني فهو العجز والقعود عن المحاولة. و«اليد الواحدة ما بتصفق» كما يقول المثل الشعبي.
لكن ما الذي يجعل الحكومة ذكية في البقاء وقوية في دفع كل ما يستهدفها، وتقرير المراجع العام يكشف أرقام الاختلاسات في نفس الوقت؟! ألا تخشى من إلصاق الاتهامات بها؟!
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة