مقالات متنوعة

دفن الليل..!!


دفن الليل..!!
يحكي التاريخ أن قاضياً شجاعاً وضع السلطة التنفيذية في مأزق.. بطل الحكاية مولانا صلاح حسن، قاضي المحكمة العليا إبان التعددية الثانية.. الحكومة وفي إطار غضبة سياسية قامت بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.. جوزيف قرنق وعز الدين علي عامر عليهما رحمة الله، أقاما دعوة دستورية.. في ٢٢ سبتمبر ١٩٦٦ صدر الحكم التاريخي ببطلان تعديل الدستور.. الحكم استند أن أغلبية الثلاثة أرباع لم تكن متوافرة حين إقرار التعديل.. إلا أن الأهم من ذلك وحسب الحكم أن إقصاء نواب من البرلمان وحل حزب فيه انتقاص من حرية المواطنين في الاختيار والانتخاب، وهنا مربط الفرس يا سادة.
الحكومة الآن تحاول تعديل الدستور عبر طريقة (دفن الليل أب كراعاً برة).. لجنة بدرية سليمان المنوط بها المهمة ستقدم التعديلات للبرلمان في الثالث من الشهر المقبل.. رغم أنف المادة ( ١٠٧) سيتم تجاهل القراءة الأولى ويقفز النواب إلى القراءة الثانية.. بالطبع كل هذه الهرولة للاستفادة من المنحة الزمنية التي وفرتها مفوضية الانتخابات بتأخيرها للعملية الانتخابية لمدة عشرة أيام.. حسب الدستور بعيد القراءة الأولى يتم إحالة مشروع التعديل إلى لجنة مختصة.. اللجنة وهنا بالطبع ستكون لجنة التشريع تجتمع لتناقش التعديلات ثم تكتب تقريرا.. عقب القراءة الثالثة يحوز لرئيس البرلمان رد المشروع إلى ذات اللجنة.. سبعة أيام لا تكفي لهذا ترى لجنة الأستاذة بدرية اختصار الإجراءات الدستورية بمنطق الدستور دستورنا.
مربط الفرس الذي يمكن أن يطيح بهذه التعديلات جملة واحدة أن معظمها يختص بالنصوص الجامدة في الدستور.. تعارف فقهاء الدستور أن هنالك مباديء فوق الدستورية لا يمكن تعديلها ولو بأغلبية الإجماع.. في دستور السودان الحالي تم تحصين وثيقة الحريات كما بينت بجلاء المادة (٤٨) من الدستور الساري.. بمعنى لا يمكن أن يأتي حاكم ويلغي حق الناس في حرية العبادة.. ذلك المبدأ رسخه الحكم التاريخي الذي أصدره مولانا الراحل صلاح حسن في قضية حل الحزب الشيوعي وبات سابقة يعتد بها.
التعديلات الدستورية تهدم مبدأ مساواة الناس أمام القانون وحقهم كافة في التقاضي.. تحصين قرارات رئيس الجمهورية تنتقص من الحقوق التي وفرتها المادة (٣٥) من الدستور.. اختيار الولاة عبر رئيس الجمهورية يهدم ركنا في الحكم الاتحادي.. بعيد إجازة التعديلات تصادر رئاسة الجمهورية ( ٤٦) من صلاحيات الوالي المنتخب وفي هذا تغول على أحد مستويات الحكم التي حددته بوضوح المادة ( ٢٦) من الدستور.. الأهم من ذلك أن هذا التعديل ينتقص من حرية المواطنين في اختيار حكامهم ويصادم نصاً جامداً في الدستور.
بصراحة أن تم إقرار هذه الحزمة من التعديلات فسنكون ساهمنا جميعا في توطين دولة الاستبداد.. ربما تكون طبخة التعديلات سانحة طيبة لنواب البرلمان أن ينالوا حسن الخاتمة السياسية.. ليس مطلوبا من كل نائب إلا تحكيم ضميره وحمل نسخة من الدستور في أسبوع الحسم الدستوري.. بعد ذلك ستقع المسئولية على نخبنا السياسية وخبراء الدستور.

الكاتب : عبد الباقي الظافر
تراسيم – صحيفة التيار