حياد غير منتج
* قال برنابا بنجامين وزير خارجية جنوب السودان إن مداخيل السودان من نفط الجنوب لم تتأثر بتراجع أسعار البترول عالمياً، لأن السودان يأخذ 25 دولاراً نظير كل برميلٍ يعبر أراضيه، بغض النظر عن السعر العالمي.
* قد يكون قوله صحيحاً في جزئية ثبات رسم المرور، لكن الثابت الذي لا يقبل النقض أن السودان تضرر بشدة من اندلاع الحرب الجنوبية، لأن الكميات المنتجة من نفط الجنوب تراجعت من نصف مليون برميل يومياً إلى ما يقارب المائة وخمسين ألفاً فقط، واستمرار الصراع الدموي ينذر بالمزيد من الانخفاض.
* بلغة الأرقام فقدت الخرطوم ثلثي دخلها من عوائد مرور النفط كنتيجة مباشرة لنشوب الحرب في الجنوب، كما تأثرت اقتصادياً لأنها فقدت سوقاً رائجةً، تعتمد على سلع الشمال تماماً، وكما قال برنابا فإن الجنوب كان يشتري من الشمال كل شيء.
* في جوبا يبلغ ثمن زجاجة البيبسي المصنعة في السودان ثلاثة أضعاف ثمن نظيرتها المستوردة من يوغندا، والمزاج الجنوبي ينحاز في مجمله للشمال السابق، وإذا توقفت الحرب وتم تنشيط الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية يمكن للسودان أن يصدر مئات السلع للجنوب.
* السياسة لعبة مصالح، لذلك نستغرب إحجام الخرطوم عن استخدام أوراق الضغط القوية المتوافرة لديها لمحاولة إنهاء الحرب في الجنوب، والضغط (بصرامة) على الطرفين المتصارعين لإبرام حلٍ سياسي، يعيد الاستقرار للدولة الوليدة، ويرفع مداخيل السودان من عوائد عبور النفط الجنوبي لأراضيه، ويربط اقتصاد الجنوب باقتصاد الشمال ليؤثر على القرار السياسي.. هنا وهناك!
* الحياد السلبي، واكتفاء الخرطوم بالحديث عن أن ما يحدث في الجنوب شأن داخلي يخص الجنوب يخلو من الحنكة السياسية، ويضر بمصالح السودان الاقتصادية والأمنية.
* كذلك فإن أي محاولة للعزف على وتر الصراع الحالي، ولو من وراء ستار، لن تجدي، بقدر ما تضر مصالح السودان، وتصيبها في مقتل.
* أثبتت الأيام أن النزاع الذي يدور في أراضي الجنوب حالياً ليس شأناً جنوبياً ولا يحزنون.
* وجدت حركات دارفور في جنوب ما بعد الحرب حاضناً مثالياً يعوضها خروج حواضنها القديمة في ليبيا وتشاد عن نطاق الخدمة، فلجأت إليه، واستغلت أجواء عدم الثقة لتصطاد في مياهها العكرة، ولا أدل على ذلك من تكرار شكوى الخرطوم من احتضان الجنوب للحركات الدافورية، في مقابل شكوى حكومة الجنوب من دعم سوداني مزعوم لقوات مشار.
* جربت دولة الجنوب الضغط على السودان بوقف ضخ النفط من جانبٍ واحد ولم تقو على الصمود، وجربت الخرطوم كذلك استخدام ذات الورقة عندما أقدمت على (قفل البلف)، وحصدت منها ليونةً (وقتية) في مواقف الدولة الوليدة، أثمرت عدداً من اتفاقيات سياسية وأمنية، ما زال معظمها مجرداً من الفعالية حتى اللحظة.
* لم يجافِ الدكتور رياك مشار الحقيقة عندما ذكر في حواره مع (اليوم التالي) أن معظم أوراق حل النزاع الجنوبي موجودة بيد السودان.
* أتفق مع الحبيب جمال علي حسن في أن دولة الجنوب ما زالت غير ناضجة، وذلك أمر طبيعي لأن مراحل نموها لم تكتمل بعد، والسودان بخلفياته المعروفة مسؤول بصورةٍ ما عن المساهمة في إعادة (تنشئة) المولود الذي شب فاقداً للاتجاه.. ولو بالتلويح بورقة وقف ضخ النفط الجنوبي، لعل وعسى.
اليوم التالي