دكتاتورية بلاتر
* من قال إن الدكتاتوريات مترسخة في العالم الثالث فحسب؟
* الناظر إلى إمبراطورية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يجد أنها تتفوق على الجمعية العامة للأمم المتحدة في عدد الدول المنضوية تحت لوائها، لأن الفيفا يضم (209) دولة، مقابل (192) دولة لعصبة الأمم.
* الإمبراطورية (التي لا تغيب عنها الشمس) يحكمها دكتاتور (ناعم)، يسحل منافسيه بقسوة، ويتنقل بطائرات خاصة، وينفق ببذخٍ لا يتأتى لقادة أغنى الدول، وقد شبهته صحيفة (الصن) البريطانية بالقذافي في عشقه للسلطة.
* ذكرت الصحيفة بعض القواسم التي جمعت بلاتر مع معمر، وأولها عشقهما للسلطة، وارتعابهما من فكرة التغيير، والسعي للبقاء في سدة الحكم بشتى السبل، وأبدت الصحيفة استغرابها من استمرار بلاتر في منصبه برغم روائح الفساد التي أزكمت الأنوف في الفيفا.
* رحل معمَّر، وما زال بلاتر (المعمِّر) يرفض التنحي!
* دخل الكولونيل السويسري الفيفا في 1975، وتولى رئاسة الاتحاد في 1998، واجتهد منذ ذلك الوقت للاستمرار في حكم إمبراطورية الفيفا بشتى السبل، وبقي رئيساً لها أربع دورات متتالية.
* وطد بلاتر أركان دكتاتوريته الناعمة بمساعدة مؤسسات اقتصادية ضخمة (مثل طيران الإمارات وهيونداي وبيبسي وأديداس ونايكي) وغيرها من الشركات العابرة للقارات، علاوةً على شبكات تلفزيونية عالمية، ضخت مليارات الدولارات في خزانة الفيفا، لشراء حقوق بث البطولات، وعلى رأسها المونديال.
* خلف بلاتر أستاذه جواو هافيلانج، ثم هزم منافسه لينارد يوهانسون رئيس الاتحاد الأوروبي وبقي لولاية ثانية، أنهاها بمنافسة غير متكافئة مع الكاميروني عيسى حياتو (في 2006)، بدعم قوي من القطري محمد بن همام الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي، وفاز بولاية ثالثة بعد حملة انتخابية شابتها فضائح مجلجلة.
* الغريب في الأمر أن بن همام انقلب على حليفه لاحقاً، ودخل معه في سباق عنيف لاحتلال منصب رئيس الفيفا، لكن بلاتر أفلح في سحق منافسه بقسوة مرعبة، وأجبره على الانسحاب، وأدانه لاحقاً بتهمة تقديم رشى لأعضاء من اتحاد الكونكاكاف، واستصدر قراراً صارماً من لجنة القيم التابعة للفيفا، قضى بحرمانه من ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم للأبد!
* لم يختلف مصير بن همام عن مصير السويسري روفنن، الأمين العام الأسبق للفيفا، والذي حاول تحدي سلطة الدكتاتور، وانحاز لمنافسه يوهانسون، فوجد نفسه مركولاً خارج الفيفا بقرار فردي أصدره بلاتر.
* أذكر أنني أجريت حواراً مع محمد بن همام في العاصمة التايلاندية بانكوك في 2003 وسألته فيه عما إذا كان راغباً في خلافة (صديقه) بلاتر في رئاسة الفيفا فنفى ذلك، وقال لي وهو يبتسم: “كرة القدم تلعب في أوروبا، والأوروبيون لا يمكن أن يسلموا ذقنهم لآسيوي”.. لا أدري ماذا دهاه ليضع نفسه في المحرقة لاحقاً؟
* يبلغ بلاتر من العمر 78 عاماً، ويسعى للبقاء في منصبه لدورةٍ خامسة، مثلما يفعل غلاة حكام العالم الثالث، وقد تولى الصحافي البريطاني الشهير آندرو جينينغز كشف بعض مفاسد الفيفا بكتابه الشهير (البطاقة الحمراء)، وذكر أن الفيفا تلقى رشىَ قيمتها مليون فرنك سويسري، لمساعدة شركة (أي إس إل) وشريكتها الألمانية (كيرتش) للحصول على حقوق بث مباريات مونديال عام 2002 في كوريا واليابان و2006 في ألمانيا، واتهم مسؤولي الفيفا باختلاس مبلغ 80 مليون يورو دفعتها شركة (أي إس إل) للاتحاد الدولي مقابل حصول شركة (جلوبو) البرازيلية على حقوق بث مونديالي 2002 و2006، كما اتهم بلاتر باستعادة 70 ألف فرنك سويسري بعد أن أنفقها على حملته الانتخابية في العام 1998.
* حكم الدكتاتور الفيفا أربع دورات متتالية، ويرغب في الخامسة، لأن مهمته لم تنته بعد.. أو كما قال!
اليوم التالي