صور فاضحة وسباب: جرائم الإتصالات على طاولة القوانين
صاحبت ثورة الإتصالات التي إنتظمت السودان تغييراً إجتماعياً ومعلوماتياً كبيراً، خاصة تلك المتعلقة بأجهزة الهاتف النقال بإعتبارها وسيطاً غاية في الأهمية للربط بين أفراد المجتمع.
وتبع إستخدام الهواتف النقالة، الكثير من التجاوزات وإنتهاك الخصوصية ما قاد البعض لساحات التقاضي وأروقة النيابات لإثبات سباب طائش من طرف ما، أو رسالة أكثر طيشاً تحمل بين أسطرها عبارات نابية، وربما يبلغ الأمر درجة الإبتزاز بصور فاضحة أو تسجيلات تلفونية تجعل حبل الفضيحة تلتف حول عنقك.
ماذا لو كنت أحد أطراف ما ذكر أعلاه؟!
تعال نصحبك في جولة قانونية يتحدث فيها إلينا إختصاصيون في القانون والمرافعات، قبل أن نضع القضية على طاولة الهيئة القومية للإتصالات لمعرفة الضوابط المنظمة لعمل شركات الإتصال دونما إنتهاك لخصوصية وحقوق الأفراد القانونية.
(1)
يكشف وكيل نيابة الخرطوم شمال، مولانا د. نصر الدين أبو شيبة الستار عن قانونية التصنت وتسجيل المكالمات الهاتفية بقوله:
(لايجوز إنتهاك خصوصية أي شخص، ولا يجوز التدخل في الحياة الخاصة أو الأسرية لأي شخص في مسكنه أو مراسلاته الإ وفقاً للقانون)، وهذا بنص المادة (37) من دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005م، وفي القانون الجنائي للعام 91 فإن المادة 61 تنص على أن من ينتهك خصوصية شخص بأن يطلع عليه في بيته دون اذن، أو يقوم دون وجه مشروع بالتنصت عليه أو الإطلاع على رسائله أو أسراره، يعاقب بالسجن لمدة لاتتجاوز ستة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
وبنص القانون أيضاً، لايجوز لأي فرد التنصت على المكالمات أو مراقبتها الإ بموجب إذن من وكيل النيابة أو القاضي، وفقاً لنص المادة 34 من قانون الإتصالات لسنة2001م.
وقال د.أبوشيبة لــ (حكايات)، أن معظم الحالات التي ترد للنيابة تشتكي من الإتصال المتكرر، إرسال الرسائل الفاضحة في إجهزة الموبايل، إرسال رسائل تتضمن الفاظ نابية وصور فاضحة.
وعن الخطوات التي تجري قبل تقديم الحالة للمحاكمة، قال د. أبو شيبة: (نقوم بمخاطبة شركات الإتصال للتأكد من صاحب الرقم المتهم، وهل قام فعلاً بإرسال رسالته أو سجّل محادثته في التاريخ المحدد للعريضة، مع الإفادة بإسم وعنوان ورقم المتهم، فإذا طابقت بيانات شركة الإتصال مع الشكوى، تتخذ الإجراءات القانونية حياله، واذا قدمت في مواجهته بينة مبدئية معقولة، يتم إحالته للمحكمة).
وأرجع وكيل نيابة الخرطوم شمال د. أبوشيبة معظم البلاغات المنتشرة والمزعجة التي تعوق سير التحريات، للأرقام التي لم يسجل أصحابها بياناتها كاملة لشركات الإتصالات.
(2)
وعن الخطوات التي تتم لضبط المتهمين بإنتهاك خصوصة الغير عبر الإستخدام غير الرشيد لأجهزة الموبايل، يقول وكيل نيابة الخرطوم شمال مولانا محمود سيد أحمد:
(إذا تقدم شخص لقيد دعوى جنائية في مواجهة شخص آخر يتهمه بإرسال صورة فاضحة إليه، وبعد فحص الرسالة والتأكد من محتواها في جهازي الشاكي والمشكو، فمن حق للنيابة فتح بلاغ منفصل تحت المادة (151، الأفعال الفاضحة)، أما أذا تضمنت الرسالة إساءة، فإن الأمر يكون حسب اللفظ الوارد، إذا كان سباً للديانة مثلاً، يفتح في مواجهته بلاغاً تحت المادة (125)، وإذا جاءت الإساءة بلفظ ينفي نسب الشاكي أو يصفه باللواط أو الزنا، فهذه تشكل مخالفة تحت المادة (157 القذف)، أما اذا كان اللفظ لا يبلغ درجة القذف أو إشانة السمعة، فهو يقع تحت المادة (160).
وأضاف مولانا سيدأحمد لــ (حكايات):
(في حالة إشاعة وتوزيع رسالة الي عدد من الناس عبر مكالمة هاتفية فيها ضرر على سُمعة الشاكي، فتدون في مواجهة المتهم مخالفة تحت المادة (159)، والأصل فيها هو النشر والرواية، أما أذا ضبط في جهاز شخص ما، صور فاضحة، فيواجه بالمادة (153).
وعن تسجيل البعض لمكالماتهم الخاصة دون معرفة الطرف الآخر، يقول مولانا سيدأحمد: (إذا تضمنت المكالمة عبارات تهديدية، فمن حق الشخص أن يدون بلاغاً تحت المادة (144) بعيداً عن خصوصية العلاقة، كل حسب ماجاء يوافق النص القانوني).
وكشف سيدأحمد أن شركات الإتصال قد تمثل كشاهد أمام التقاضي لتقديم شهادتها في المستندات المحررة منها، واضاف: (أن أي مستند يأتي الي المحكمة، يحق للطرف ان يستدعي صاحب المستند للتحري معه، وشركات الإتصال بإعتبارها أنها التي تقدم المستندات والمعلومات بتاريخ المكالمات وصحة حدوثها وزمانها، يتم إرسال مندوب منها حالما طلب التقاضي ليشهد بصحة المستندات المقدمة منهم كما حدث في قضية مقتل الصائغ).
(3)
ويسجل الأستاذ عادل عبدالغني المحامي، مرافعة ساخنة عن الحقوق القانونية المتعلقة بإساءة إستخدام إجهزة الموبايل وإنتهاك خصوصية الغير به، ويشرح ذلك بقوله:
(لابد أن نفرق بين ثلاثة أنواع من التسجيلات:
النوع الأول: هو تسجيل شخص فرد لمكالمة يتلقاها، وفي هذه الحالة يتم التسجيل بواسطة جهاز الهاتف الخاص بالشخص.
النوع الثاني: تسجيل مكالمات بواسطة أجهزة المشغل (مشغل الخدمة)، أو أية سلطة، أو جهاز آخر يقوم بالتسجيل غير أجهزة المشغل أو أجهزة خاصة به يخترق بها أجهزة المشغل.
النوع الثالث: تسجيل المكالمة بواسطة المشغل أو أية سلطة أخرى أوجهاز آخر بواسطة أجهزة المشغل أو أجهزة أخرى تخترقها بأذن من جهة قضائية، أو شبه قضائية نيابة أو محكمة).
ويقول عادل عبد الغني: (يختلف الوضع القانوني في الحالات الثلاثة:
* الحالة الأولى مباحة قانوناً، إذ أن لكل شخص الحق في تثبيت مايتم تقديمه له أو مايتلقاه من أي نوع من الأفعال، فالحديث هو فعل، أذا كان ينطوي لحق، أو إنتهاك لحق الشخص المسجل له، فله الحق في تسجيله وتثبيته والإحتجاج به، ولا يمكن الإدعاء في إنتهاك خصوصية في هذه الحالة، لأن المتلقي قد تنازل بنفسه عن خصوصيته وقام بالتسجيل، ولأن المتحدث الذي سجلت مكالمته غير محمي بالخصوصية في هذه الحالة، لأن الحديث صدر منه وموجه لشخص آخر، وبمجرد توجيه الحديث لشخص آخر تنتهي الخصوصية، عليه يمكن للشخص الذي قام بالتسجيل في هذه الحالة تقديم ماسجله كدليل قانوني أمام المحكمة أو النيابة أو سلطات التحري، ولكن بالطبع يخضع مثل هذا الدليل لشئ من الفحص والتمحيص إذا أنكره الشخص الآخر، وذلك بفحص الصوت في المعامل المختصة، ويقبل أي دليل آخر مثل إفادة الشخص الذي قام بالتسجيل، وما الي ذلك من وسائل الإثبات، ومنها تتبُّع سجل الإتصالات بين المتصل والمسجل.
والقيمة القانونية للمادة المسجلة تعتمد على وضوح دلالتها حول مايدعى بشأنه، وطبيعة التصنيف القانوني لما ورد فيها سواء كان إغراءً أو إعترافاً أو عنصراً من عناصر الجريمة، مثل إشانة السمعة أو الإساءة، وهذا مانسميه التقييم الموضوعي لفحوى المادة المسجلة.
ويعود عادل عبد الغني للحديث عن النوع الثاني المتعلق بتسجيل المكالمات بواسطة أجهزة مشغل الخدمة، أو أية سلطة أخرى ويقول:
(هنالك قول، بأن جميع المكالمات يتم تسجيلها والإحتفاظ بها لفترة محددة، رغم أن هذا الإجراء أثبت انه مفيد في الكثير من الأحيان، خاصة في جرائم كثيرة شملت القتل والسرقة والإختطاف والإبتزاز، الإ أن هذا النوع من التسجيل يعتبر مثيراً للجدل، إذ يرى الكثيرون أن فيه إنتهاكاً واضحاً للخصوصية، رغم تعهدات الشركات المشغلة بأنه لا يتم الرجوع الي هذه المكالمات الإ في ظروف محددة، وفقاً لتوجيهات جهة مختصة).
(هذا الأمر جد مخيف، ولا أرى أن الفائدة التي تجنى من هذا التسجيل تبرر إنتهاك خصوصية الملايين من المتحدثين الذين يعتبرون الإتصالات وسيلة آمنة لتناول الكثير من الأشياء المعقدة التي تشمل أسراراً أسرية بالغة الحساسية، وأسرار عمل أوأسرار دولة، ومساعدة مثل هذه هذه التسجيلات في إكتشاف جريمة أو إثنتين أو أى عدد، لا يبرر التنصت على ملايين الأبرياء، هذا أمر ترفضه كل الدول والأنظمة المتحضرة وينبغي إيقافه فوراً).
ويصف المحامي عاد عبد الغني النوع الثالث وهو التنصت والتسجيل بأمر جهة مختصة مثل النيابة أو المحكمة، يصفه بأنه أمر مشروع يماثل إجراءات التفتيش، والمبرر الفلسفي أو الفقهي هو التضحية بجزء من حق الفرد في سبيل تحقيق غاية أكبر، وهي إكتشاف جرم، وعليه يمكن ممارسة هذا النوع من التسجيل أو التنصت وفقاً للضوابط التالية:
* أن لايتم التسجيل أو التنصت الإ أذا كان هنالك بلاغاً مفتوحاً بشأن جريمة محددة أشارت البينات الأولية بشأنها الي علاقة للشخص المتنصت عليه بهذه الجريمة.
* يجب أن يكون التسجيل أو التنصت بموجب أمر مكتوب صادر عن النيابة أو المحكمة المختصة بعد إستيثاقها من جدوى هذا الفعل.
* يجب أن يكون التنصت أو التسجيل في حدود الجريمة مثار التتبع أو التحقيق، وأن لا يتعدى ذلك وأن لا يعتد بها حتى لو كانت تتعلق بجريمة أخرى لاتمت بصلة للجريمة التي صدر بموجبها أمر التنصت.
وفيما يتعلق بإرسال الصور والرسائل الفاضحة، يقول عادل عبد الغني:
(الصور والرسائل الفاضحة هي وسيلة من وسائل الإثبات، وهي موضوع جريمة ويمكن الإعتداد بذات الرسالة ويمكن إثبات نسبتها الي مصدرها بواسطة البينة الفنية المتمثلة في مشغل الخدمة، أما القيمة القانونية، فتخضع للتقدير القانوني لفحوى الرسالة ومعانيها).
(4)
مدير الإدارة الفنية بالهئية القومية للإتصالات المهندس مصطفى عبدالحفيظ، إستعرض لـ (حكايات) طبيعة القوانين المنظمة لعمل الهئية، وطرائق المحافظة على خصوصية المشتركين بقوله:
(تتعامل الهيئة القومية للاتصالات وفق قانون الإتصالات للعام 2001م وتشير المادة 34 منه الى الحماية من التصنت ومراقبة المحادثات، إلاّ بقرار من وكيل النيابه، أوالقاضى المختص، ويتم ذلك حسب ماجاء فى الفقره (2) من هذه المادة. وليس من حق أى من الشركات المساس بخصوصية أى مشترك الا وفق القانون، حسبما جاء فى الماده (34).
وقال مدير الإدارة الفنية بالهئية القومية للإتصالات، أن للشركات أتفاقيات مستوي الخدمه SLA) )، التى توقعها مع المشتركين وتنص فى بعض موادها الى حماية خصوصية المشترك.
وللتفريق عن ماهية التنصت المناط بالهئية حمايته قال المهندس عبدالحفيظ: (المقصود من التصنت على المحادثات، أن يتم ذلك بواسطة طرف ثالث، ولاينطبق هذا المعنى على طرفين أجريا محادثة برغبتهم وبصورة مباشرة، وقد تستخدم هذه المحادثة المسجلة كدليل إن كان فيها اساءة من أـحد الطرفين، وهذه الحالة تتجاوز قانون الإتصالات الى القانون الجنائى، ويبقى على الهيئة ــ وبواسطة الشركات ــ الإسهام في التوصل الي الجانى وتقديمه الى الجهات المختصة.
وللحصول علي المعلومات الخاصة بحركة أي مشتبه به، يجب فتح بلاغ أولاً، وتحرير خطاب من وكيل النيابة أو القاضي المختص، وبعد ذلك تقوم الشركات بمدهم بالمعلومات المطلوبة مباشرة.
تحقيق: آمنة عمر
صحيفة حكايات