وعيد أصحاب العمل ..!
> يجب أن ننتبه بدقة وبوعيٍ كامل، لما يقوله اتحاد أصحاب العمل السوداني، حول الزيادات الضريبية والرسوم الإضافية التي جاءت في سياق قرارات اقتصادية وسياسات جديدة، أعلنت عنها وزارة المالية، وهدَّد الاتحاد بتجميد نشاطاته في حال تنفيذ السياسات الاقتصادية الجديدة على القطاع الصناعي.. وتوقَّع الاتحاد ومعه الغُرف التجارية المختلفة، ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الاستهلاكية والمواد، بسبب هذه الزيادة والإجراءات الجديدة المُتعلِّقة بالاستيراد وارتفاع تكلفة الإنتاج.. وتوقَّع قادة اتحاد أصحاب العمل والغُرف التجارية، فشل البرنامج الخماسي الذي أعلنته وزارة المالية، خاصة أن الحكومة أعلنت في أثناء عرض ومناقشة وإجازة الميزانية، أنها ستكون خالية من أيَّة زيادات ضريبية أو جمركية جديدة.
> الحكومة تأخذ بيدها اليُسري ما أعطته باليد اليُمنى.. فليس من المعقول أن يستبشر المواطن بعدم إرهاق كاهله بمزيد من العنت والتقتير بسبب ارتفاع التكاليف في القطاعات الإنتاجية خاصة الصناعية وزيادة رسوم الاستيراد والموانئ والرسوم القضائية التي تؤدي تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار الجنوني..
> لو عملت الحكومة منذ البداية قبل وضع مشروع الموازنة وإقرار سياساتها الاقتصادية الجديدة على توسيع التشاوُّر والتحاوُّر مع كل أركان العملية الاقتصادية خاصة الاتحادات التي تُمثِّل أصحاب العمل والغُرف التجارية والصناعية والزراعية، وكل من يمثِّلون المُنتجين في البلاد، لسهَّلت على نفسها الكثير من الجدل والاحتجاجات والتلويحات بوقف وتجميد النشاطات، كما قال أصحاب العمل..
> من الضروري للغاية، معالجة أمر الاقتصاد برؤية أشمل وأوسع، وتقليل نِقاط الخلافات داخل هذا الفضاء المُعقَّد المليء بالمشاكل المركَّبة التي تحتاج إلى حلول عاجلة.
> وقبل أيام قليلة، كُنا في معيَّةِ وزير الاستثمار الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل لدى زيارته إلى إثيوبيا، وحضرنا معه اجتماعات مهمة من بينها اجتماعه مع المفوضية العامة للاستثمار في هذا البلد الجار، فبغض النظر عن النُّظم المُتَّبعة والقانون المُشجِّع للاستثمار والجاذب للمستثمرين والإجراءات المُبسَّطة، فإننا لاحظنا بالفعل هروب رؤوس الأموال السودانية إلى الخارج، ووجود استثمارات سودانية كبيرة بلغت أكثر من ملياري دولار، جعلت من السودان البلد الثاني من حيث رأس المال المُستثمَر في إثيوبيا بعد تركيا أو الصين كما أذكر.
> ولا يمكن لرأس المال السوداني أن يهرب من بلده بهذا الشكل المخيف، ويجد السودانيون ضالتهم في بلاد أخرى، إلا بسبب تقلُّب السياسات الاقتصادية والنقدية، وعدم استقرارها، وخبط عشواء في معالجة أزمتنا الراهنة التي تحتاج بالفعل إلى عزيمة أكبر وشجاعة وقدرة إدارية كبيرة في إدارة العملية الاقتصادية التي تركناها (للأفندية) طيلة هذه السنوات، بلا نتيجة..
> فبسبب وضع العراقيل والصعوبات والتقيدات الإجرائية واللجوء إلى الحلول السهلة لزيادة الإيرادات، تحدُث مثل هذه الاختلالات. فالقطاع الصناعي المُنهار أصلاً بسبب توقُّف ما يزيد عن عشرة آلاف مصنع، والمشاكل التي تواجِّه الصناعة السودانية واستيراد موادها الخام أو مستلزماتها وقطع غيار المصانع أو مُدخلاتها، لا يمكن معالجة مشاكلها دون حلول اقتصادية خلاَّقة وبنَّاءة تتجاوز فيها الدولة الرؤية القاصرة السابقة، وتفتح المجال والأبواب واسعة لعقول جديدة وأفكار حديثة لقيادة هذا المجال.
> ومن العيب، أننا نعيش في بلد له من المقوِّمات والإمكانيات والقدرات والكفاءات والثروات، ما يجعله أهم عنصر اقتصادي في كيمياء المنطقة الأفريقية والعربية التي تحتاج بالفعل إلى تحريك وفتح الأسواق والتعامل مع معطياتها باهتمام أكبر، فكان يمكن للصناعة السودانية من عقود طويلة، أن تكون هي الأكبر والأكثر إنتاجاً في كل محيطنا القاري والعربي، ولكن السياسات غير الواقعية وعجز الحكومات عن التعامل بشجاعة أكبر وثقة في النفس، وعدم اللجوء للحلول السهلة بفرض الرسوم والضرائب، هي التي أوردتنا مورد الهلاك الذي يعيشه القطاع الصناعي، إن لم يكن قد مات بالفعل وتم قبره..
> ونناشد الحكومة في هذه الكلمات أن تنتبه بكامل وعيها إلى المخاطر التي ستصيب المواطن بسبب الإجراءات التي يُنادي باحتوائها ومحو آثارها اتحاد أصحاب العمل. فنحن لا ننظر إلى مصالح هؤلاء كقطاع خاص، ولكننا ننظر للآثار الجانبية المدمِّرة، التي ستقع على المواطن المسحوق وهو بلا حيلة..
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة