الصادق الرزيقي
فلنأخذ العبرة من الأفارقة..
> ولن تتضح صورة ما يجري في السودان، من دون الاقتراب من الواقع الحقيقي داخل البطن الرخو للقارة الأفريقية (دول منطقة وسط وشرق أفريقيا)، وبالتحديد داخل منظومة منظمة البحيرات العظمى التي تضم أحد عشر دولة أفريقية وهي (أوغندا، رواندا، كينيا، تنزانيا، الكونغو الديمقراطية، الكونغو برازافيل، بورندي، أنجولا، إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان)، وتعيش هذه المنطقة صراعات عنيفة وحروبات لا تنتهي، شهدت بعض بلدانها مثل رواندا عمليات إبادة جماعية صارت مثلاً في كل العالم في العام 1994م، وتعاني كثير من دول هذه المنظمة
International conference of the great lakes regain
(ICGLR) من صراعات ونشاط لحركات مسلحة متمردة تؤثِّر في الاستقرار والتعافي السياسي ودوران وتيرة النمو والتنمية، ووجود هذه الحركات أقْعَدَ اقتصاديات الكثير من هذه الدول وجعلها مرتعاً للتدخُّلات والإملاءات من خارج القارة، وزاد من نشاطات الشركات الغربية التي تنهب ثروات ومعادن هذه المنطقة الغنية من أفريقيا..
> ففي منطقة شرق الكونغو وهي مساحة شاسعة لديها حدود مع أكثر من دولة من بلدان المنطقة، والتي صارت هي الحاضن الأول للحركات المتمردة في ثلاث أو أربع دول في منظمة البحيرات، توجد ما يقارب عددها الثلاثين حركة متمردة تمارس نشاطاتها المسلحة رغم وجود أكبر بعثة لقوات الأمم المتحدة في أفريقيا (Monusco) ، وظلت هذه الحركات تتكاثر وتنمو، مقابل الاتفاقيات والتفاهمات التي أقرَّتها دول المنطقة لمواجهتها، خاصة قمة منظمة البحيرات العظمى التي عُقدت في نوفمبر 2013م، وقررت التعامل عسكرياً مع واحدة من هذه الحركات المتمردة، فضلاً عن وجود اتفاقية بين دول القارة الأفريقية في منظومة أجهزة الأمن والمخابرات (السيسا) التي أقرت مواجهة ما تسميه بالحركات السالبة.
> تنتمي الحركات في شرق الكونغو الى مجموعات عديدة، منها حركة تحرير رواندا (FDLR) وتقابلها كترياق مضاد لها حركة أخرى مناهضة لما تقوم به ومدعومة من كيجالي كما يُشاع وهي حركة (M23). فالأولى حركة تحرير رواندا تتكون من عناصر قبيلة الهوتو وتتهم بارتكاب الإبادة الجماعية في رواندا 1994م، والثانية ( M23) تضم عناصر من التوتسي وتكونت لمحاربة حركة تحرير رواندا المنطلقة من شرق الكونغو. وتوجد أيضاً حركة تحرير بورندي (FNL)، والتجمُّع الديمقراطي لتحرير أوغندا (ADF-NALU) ، ويمتلئ شرق الكونغو بحركات معارضة للحكم في كينشاسا تناسل كثير منها وتفرَّع من المعارضة الكونغولية الشهيرة ( MAI -MAI) ، كما توجد معارضة للكونغو برازافيل ومجموعة فيسفساء مسلحة تعارض الأنظمة في أوغندا وأفريقيا الوسطى وبروندي والكنغو برازافيل وكنشاسا ودول أخرى.
> المهم في هذا الأمر، إن دول المنطقة عندما شعرت بتنامي النشاط المسلح وتهديده للاستقرار خاصة بعد احتلال حركة (M23) لمدينة غوما شرق الكونغو، قررت القضاء عليها وضربها، وبالفعل شاركت دول تنزانيا وملاوي وجنوب أفريقيا المشاركة في قوات التدخل السريع (FIB) التابعة للأمم المتحدة وتحت رضى منظمة البحيرات العظمى في عملية عسكرية كبيرة قضت فيها على الحركة المتمردة، وتم الاتفاق على ضرب ما تبقى منها وحدد الثاني من يناير الحالي موعداً للعملية العسكرية الأخرى، هذا بجانب ترتيبات تجري للقضاء على بقية الحركات التي تهدد الأمن والاستقرار في كامل المنطقة رغم تباعد المواقف السياسية والتحالفات والتقاطعات الداخلية بين دول المجموعة.
> الذي يلفت الانتباه في كل ما سبق ذكره، إن الإرادة السياسية الأفريقية الموحَّدة في منطقة البحيرات بالتعاون مع الأمم المتحدة وبعض القوى الكبرى، تعمل على القضاء التام على كل المجموعات المتمردة والخارجة على الأنظمة والقانون، وتهدد السلم والأمن الإقليمي أو المحلي داخل الدول. فلماذا إذن لا تتوفر ذات الطريقة والمعايير لحسم ومواجهة الحركات المتمردة في السودان ولا يُسمح حتى للحكومة السودانية بضرب ومواجهة نشاطات المتمردين وإنهاء وجودهم داخل أراضيها، دعك عن الاتفاق مع أية منظومة إقليمية في هذا الصدد التي لا يحتاج لها السودان الآن؟..
> إذا كان السودان من مؤسسي مجموعة أخرى وهي (القوات الاحتياطية لدول شرق ووسط أفريقيا EASF) التي أقرت في 2004م ويدفع حوالي40% من دعمها وميزانيتها برغم عدم وجود أية قوة عسكرية سودانية ضمن هذه القوات حتى الآن، فلماذا لم تتوصل حكومة السودان الى تفاهمات تقود الى حشد تأييد إقليمي من دول شرق ووسط أفريقيا لإنهاء التمرد وحركاته كما فعلت دول منظمة البحيرات؟.. ولنا عودة..[/JUSTIFY]