عثمان ميرغني

خبر قنبلة..!!

[JUSTIFY]تخيل نفسك تسير في أحد شوارع الخرطوم.. لفتت نظرك صحيفة ملقاة على الأرض فيها (مانشيت) الصفحة الأولى بالخط الأحمر العريض (اعلان نتيجة القبول للجامعات).. ثم انزلق نظرك إلى متن الخبر التالي: (أعلن مكتب القبول نتيجة القبول لمؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي الجديد.. وحصلت كلية الزراعة بجامعة الخرطوم على (95.6%) كأعلى نسبة للقبول، تليها كلية البيطرة (94.1%)..)
بكل يقين هناك خطأ ما.. لا يخرج عن الاحتمالات الثلاثة : الاحتمال الأول: جامعة الخرطوم فتحت فرعاً لها في البرازيل.. والنسبة التي ظهرت في الخبر هي لكلية الزراعة جامعة الخرطوم فرع البرازيل .. الاحتمال الثاني.. أن يكون فات عليك النظر إلى اسم الصحيفة (صحيفة حلمنتيش).. أما الاحتمال الثالث والأخير.. فهو تاريخ الصحيفة.. غالباً هو في يوم ما من القرن الخامس والعشرين الميلادي.
في الماضي القريب.. كان خريجو كلية الزراعة يجدون طريقهم للوظيفة العامة أو الخاصة قبل تخرجهم.. إذ كانت أحياناً بعض المؤسسات الكبيرة تحجز دفعة كاملة قبل التخرج.. وفي مشروع الجزيرة كان خريجو الزراعة يتمتعون بوجاهة اجتماعية رفيعة، خاصة المفتشين الذين توفر لهم الحكومة قصوراً جميلة في وسط المزارع الخضراء.. وتزودهم بكل معينات العمل والراحة وعلى رأسها السيارة (المورس) الانجليزية الشهيرة.. ولولا أني أخشى أن يهمس في أذني أحدكم فيقول لي (لا.. دي واسعة شوية) لقلت أن وزير الزراعة (كان!!) أهم وزير في كابينة مجلس الوزراء.. ويبدو أنه هو المقصود بأغنية الفنان كمال ترباس (إنت المهم الناس جميع ما تهمني..).
لكن الآن.. النسبة المطلوبة لدخول كلية الزراعة هي (النية الطيبة) لا أكثر.. وتسهم كليات الزراعة الكثيرة في جامعاتنا الكثيرة في حل مشكلة المواصلات.. بتوفير كوادر قيادة (الركشات).. ولم أقل سيارات (الأمجاد) لأنها محتكرة لمعاشي (قيادات!) الخدمة المدنية السودانية.
دولة تملك أخصب الأراضي التي تجري من تحتها الأنهار.. وأضخم ثروة حيوانية متنوعة.. ومع ذلك تمثل الزراعة والبيطرة فيها أكثر المهن طرداً لكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد.
في كل بلاد العالم الأثرياء هم من يملكون المزارع ويزرعون.. وفي بلادنا الأثرياء هم من يملكون المزارع ولكن لا يزرعون.. والسبب لأن الزراعة صارت أقصر طريق إلى السجن.. يزرع المزارعون فإذا صدق الموسم ونجح.. تتسبب الوفرة في تدني الأسعار فلا يحصدون ما يكفي لسد رمق مصروفاتهم وتكاليف ما زروعه.. ويحصلون على نفس المصير إذا فشل الموسم لأي سبب.. (في الحالتين ضائع!).
أمس زارنا مجموعة من مزارعي نهر النيل.. (مطاريد) تطاردهم أوامر القبض الصادرة ضدهم لفشلهم في سداد التمويل الأصغر الذي حصلوا عليه .. وفشل الموسم.. أعينهم زائغة خائفون يترقبون يخشون الوقوع في براثن المجهول وراء جدران السجون..
على كل حال.. نحصد مما نزرع.. ونحن نزرع سياسة فنحصد تعاسة..[/JUSTIFY]