عثمان ميرغني

أطباء.. حُسن الخاتمة!!

[JUSTIFY]قبل سنوات عدة زارتني في مكتبي طالبة بالسنة النهائية في إحدى كليات الطب السودانية.. كانت صريحة للغاية فقالت لي (أنا مشفقة ليس على نفسي.. بل على من يقع تحت يدي من المرضى)..!!
حكت لي أنه وطوال دراستها في كلية الطب وهي على وشك التخرج لم ترَ في حياتها (مشرحة).. ولم تتلطخ يديها بغير حبر الامتحانات.. وستتشرف بعد أشهر قليلة بحمل شهادة تخرج مكتوب عليها (طبيبة).. وبقدر ما سترتفع زغاريد عائلتها في حفل التخرج عندما تملأ عيونهم صورتها وهي تتمخطر في (الروب).. سيرتفع نواح أسر أخرى عندما (يتخرجون) من الدنيا على يديها..
أمس تذكرت قصة هذه الفتاة التي لا أعرف الآن في أي مستشفى هي.. ولا كم من الضحايا (باصو) على يديها وأيدي زملائها من نفس الكلية أو من كليات طب أخرى تحمل نفس علامة (الجودة!!!).
تذكرتها بعد نشر خبر يدق فيه ناقوس الخطر البروفيسور عمار الطاهر، عميد كلية الطب بجامعة الخرطوم، ورئيس اتحاد عمداء كليات الطب في السودان.. لعدم استيفاء غالبية كليات الطب السودانية للمعايير المطلوبة دولياً.. وعلى رأسها أن يكون مقابل كل عشرة طلاب في الطب أستاذ.. بمعنى إذا كان في كلية الطب ألف طالب.. فيجب أن يكون بالكلية مائة أستاذ.. ومع طوفان الهجرة للخارج.. هذه النسبة مستحيلة.. ولا حتى قريباً منها.. بالكاد –حسب ما فهمت من البروف عمار الطاهر – لا تتحقق هذه النسبة إلا لقلة نادرة من كليات الطب.. هذا طبعاً علاوة على مواصفات أخرى كثيرة تتعلق بالمعامل وبيئة العمل والمستشفيات التعليمية وغيرها.
في تقديري الحل واضح.. الإبقاء على عدد مناسب من كليات الطب والاستغناء عن كثير من الكليات التي تبدو بعيدة جداً عن اللحاق بالمطلوبات الدولية.. وما تبقى من كليات طب (حكومية أو خاصة) فإن مسؤولية الحكومة أن توفر لها ما يعينها على استيفاء الشروط العالمية.. وقد يقول قائل.. إن الحكومة مسؤولة عن الكليات الحكومية فقط.. لكن مثل هذا القول يفتقر للنظرة السديدة..
هناك مشكلة حقيقية في النظرة للتعليم الخاص عموماً في كل المراحل بما فيها جميع مراحل التعليم.. النظرة الحكومية أن ما ينجزه التعليم الخاص فهو (خاص) لمصلحة مالكي مؤسسات التعليم الخاص.. وهذا خطأ شنيع!!
أي مؤسسة تعليم خاص تساعد الحكومة في توفير مقعد لطالب أقل قدرة مالية.. فإذا استوعبت إحدى كليات القطاع الخاص مائة طالب.. فهي أخلت هذا العدد في مؤسسات التعليم الحكومية لصالح من هم أقل قدرة مالية.. والبرهان على ذلك، تخيل لو أقفلنا كل مؤسسات التعليم الخاص في جميع المراحل من الأساس حتى الجامعة.. النتيجة ستكون فادحة.. تضيق شرايين التعليم ويفقد كثير من ذوي الدخول المحدودة القدرة على الحصول على مقاعد في التعليم خاصة العالي.
المطلوب في مهنة مثل الطب التركيز على الجودة والتأهيل الحسن وليس الكثرة.. فهي مهنة حساسة يدفع ثمنها الإنسان مباشرة..[/JUSTIFY]