الصادق الرزيقي
القضية ليست داعش ..!
> لقد كان واضحاً منذ حرب الخليج الأولى في العام1990م، إن العالم العربي يتَّجه إلى تحوُّلات هائلة، ولم تكن ظواهره السياسية التي يحاول البعض تفسيرها بمعزل عن التطورات والتغييرات الاجتماعية، إلا انعكاساً على ما هو كائن في تلك اللحظة من الصدمة النفسية والسياسية التي خلَّفها تحالف المسلمين، ومع اليهود والمسيحيين المتشدِّدين في الحرب على العراق وتدميره، ولم تمضِ سنوات قليلة، إلا وعلت شجرة التطرُّف وتشعَّبت أفرعها وتشابكت أغصانها حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م، وكان رد الفعل عنيفاً وصاخباً، أدى لاحتلال وتدمير أفغانستان والعراق واجتياحهما..
> ولم تكن لهذه العواصف التي ضربت العالم الإسلامي والعربي، ثم تحوَّل مفهوم الحرب على الإرهاب إلى مفهوم عالمي يتلزم به الجميع، مسائل مجرَّدة من توابعها ومضاعفاتها وتأثيراتها المباشرة على المجتمعات المسلمة. فقد اجترحت الشعوب العربية والمسلمة طرقاً ودروباً متخلِّفة عن النظام الرسمي العربي، وتكوَّرت كرة النار حتى أنتجت الربيع العربي بثوراته التي كانت رفضاً للواقع وتمرُّداً عليه، ومحاولة للبحث عن الذات العربية المُضاعة تحت وطء الأحذية الثقيلة للجيوش التي احتلت المنطقة والأنظمة العربية (المستغربة) التي تبعت الغرب حذو النعل بالنعل..
> وكان الربيع العربي محاولة تعويض كبيرة انتهجتها الشعوب للتخلُّص من أزمنة الخيبة والانكسارات والتراجع، ولكن اللعبة الدولية والمؤامرة كانت حاضرة بقوة ومترصِّدة. وأعدت عُدتها جيداً للانقضاض على بلدان الربيع العربي واصطيادها والرجوع بها مرة أخرى إلى بيت الأفعى.. وهذا ما حدث بالفعل. فالارتداد العكسي لثورات الربيع العربي، ما هو إلا إعادة إنتاج الخيبة العربية بثوب أكثر اتساخاً وقُبحاً..
> ولعل ما يحدث اليوم من تحالفات جديدة ومواجهات مذهبية وتغييرات بنيوية في هياكل الصراع واصطفافاته، هدفها الرئيس هو إعادة رسم الجغرافية السياسية والاجتماعية، ليصبح العالم العربي على غير ما عُرف به وما تكون فيه. ومن ينظر بدقة إلى الأمور التي تجري، يُدرك بالفعل ما يعني تقدُّم الحوثيين في اليمن، وتبخُّر أنظمة ما، في ليلة وضحاها، وما يجري في العراق وما يدور في سوريا وليبيا، ثم التحوُّل الغريب في مصر..
> التخلُّص من الحركات الإسلامية الحديثة مثلما جرى بعد الانقلاب على الديمقراطية في مصر، والمؤامرة الدنيئة في ليبيا واليمن، وصعود التطرُّف في سوريا والعراق والصدامات الدامية والتصرُّفات اللاإنسانية للجماعات المتشدِّدة الباطشة، هي دليل دامغ على أن ما أُحيك بالعالم الإسلامي والعربي، أكبر مما هو مُتخيَّل، وأعظم مما كان مُتصوَّر. وقد شاركت النُّخب العلمانية العربية التي تعاونت مع الشيطان الغربي على محاربة الإسلام والحركات المستنيرة الوسطية، في إدخال الجميع إلى المتاهة اللولبية الجهنمية، بكل تفاصيلها البشعة التي لاحت أكثر مع ألسنة اللهب التي كانت تشوي جسد الطيار الأردني المغفور له معاذ الكساسبة.. الذي يُعدُّ أكبر ضحية لحالة الغيبوبة التي تعيشها الأنظمة العربية، والخداع الذي تعيشه الجماهير العربية..
> فالأنظمة الخائرة الخائفة المرتجفة التي تذهب إلى حروب غيرها، لا تدفع هي الثمن، لكن تدفعه أجساد الشباب العربي الغرير. فالمحزن للغاية أن الكساسبة لو ذهب ليحارب العدو الصهيوني أو يُلقي حِمم طائرته على رؤوس الاحتلال الإسرائيلي أو أي مكان آخر فيه معركة كرامة للأمة، لكان الدمع اليوم أغزر مما عليه اليوم، لكن الدول الغربية جعلت العرب يواجهون بعضهم ونصالهم تتكسَّر على نصال بعضهم. فالأسير عربي والقاتل عربي والنار عربية!..
> سيُدرك الجميع أن البيئة التي توالد منها التطرُّف وتكاثر، هي مخلَّفات الحرب على الاعتدال والوسطية والحركات المسالمة التي اختارت الحسنى وقواعد اللعبة الديمقراطية.. فما هو آتٍ أخطر بكثير، لأن شباب الحركات المعتدلة سيتحوَّلون اليوم وغداً الى ما هو أخطر من داعش، وهذه سنة الحياة. فمن يُحشر في الزاوية الضيِّقة وتصل روحه الحلقوم.. سيدافع عن نفسه ولا تعوزه الحاجة في رد الهجمة عليه..[/JUSTIFY]