مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : اطمئنان «الترابي» قبل الرحيل

[JUSTIFY]هذا الوقت الذي يدعو فيه حسن الترابي للتوبة للَّه وتوحيد كل الأحزاب «طائفية، يسارية، إسلامية، قومية عربية ومحمودية وجهوية»، وكذلك سؤاله الله سبحانه وتعالى أن يطمئنه إلى «الوطن» قبل رحيله من الدنيا، هذا الوقت يأتي بعد أن وصلت الحركة الإسلامية إلى الحكم «مطمئنة» لوجود التعاطف معها من الجماهير في مناطق كثيرة بالبلاد بحكم كسبها أكثر من خمسين دائرة انتخابية عام 1986م. وإن كانت قد استفادت من «دوائر الخريجين» ذات الفوز الساهل لها، فإن الشارع يتأثر بأصحاب الوعي السياسي والمؤهلات الأكاديمية.
وحتى الآن لم يفصح الترابي عن الأسباب التي أدت لضياع أكثر من ربع قرن سدىً كما يرى هو.. لقد قال إنه يسأل الله أن يطمئنه إلى الوطن ـ ويقصد السودان طبعاً ـ قبل رحيله. وهذا يعني طبعاً أن الوطن بحال لا يطمئن. فهل يا تُرى يرى الترابي أن الوطن كان قبل الثاني عشر من ديسمبر 1999م أفضل حالاً من بعد هذا التاريخ؟ إن بعد هذا التاريخ أصبح الحال مطمئناً، والحال الآن مطمئن أكثر بعد كسر شوكة التمرد في دارفور بآخر معركة دارت في شرق الجبل، ومعلوم أن جزءاً من ذاك التمرد الذي اندلع في غرب البلاد كان بسبب حرب سياسية دارت رحاها في الخرطوم لكنها الآن تخمد نارها.
إن بعد هذا التاريخ شعر حتى المواطن العادي بالطمأنينة السياسية.. وهناك من ظن أيضاً أن البلاد قد تهيأت لكي تستفيد من تفكير صفوة المفكرين السياسيين بالحركة الإسلامية مثل علي عثمان ومصطفى عثمان ونافع وأحمد إبراهيم الطاهر، لكن للأسف كان قد فارق صفوف قيادة المؤتمر الوطني أمثال هؤلاء، ومنهم الراحل مكي علي بلايل الذي كان ينبغي أن تجعله الحركة الإسلامية زعيماً لامعاً ومبجلاً وسط أبناء النوبة الكردفانيين، كما كان فيليب عباس غبوش. لكن الترابي لم يكن يطيق المنافسة. وفي دارفور كان يمكن أن تفعل الحركة الإسلامية ذلك قبل هذا التاريخ مع محمد يوسف وأمين بناني وحسبو محمد عبد الرحمن. فكان بعد ذلك يمكن أن يطمئن إلى الوطن.
إن العمل من أجل الوطن يتطلب التجرد والزهد.. وحينما حل رئيس الجمهورية عمر البشير البرلمان المعين بقرارات الرابع من رمضان الذي وافق الثاني عشر من ديسمبر 1999م لم يتحمس الترابي للاستمرار في قيادة الجهاز التنفيذي للحزب الحاكم ولسان حاله يقول: «لا تصلح قيادة الحزب الحاكم دون أن تضاف إليها قيادة الجهاز التنفيذي» التي تجاوز قيادة الجهاز التنفيذي ورئيسها طبعاً عمر البشير. إن السياسة تحتاج إلى الصبر الشديد المُر لتجني ثمرتها لصالح الوطن. إن للصبر الطويل المُر ليالي تغنى لها الشعراء والمطربون وغنى صلاح بن البادية:
يا ليالي الصبر.. يا تو الأمرَّ من الصبر ذاتو..
قالوا الصبر عاقبو الحلو.. يا ليالي وين حلاتو؟
إن الترابي لم يسعه أن ينتظر «الحلو» الذي يعقب الصبر، وبعد خمسة عشر عاماً ها هو يعود من الخصومة السياسية ويدعو معاونيه في حزبه إلى أن يعودوا من الخارج، وقد عاد أخيراً السيد الصافي نور الدين. فترة خمسة عشر عاماً كان خمسها لو قضاه الترابي صبراً لكان الآن آخذاً بالأسباب رئيساً للوزراء أو نائباً أولاً للرئيس لكنه لا يصبر. ولم يقض فترة قصيرة صبراً، لكنه قضى أضعافها بكاءً «مجازياً طبعاً» وقبض الريح. إن الترابي يسأل الله الآن أن يطمئنه إلى الوطن قبل الرحيل. وليته طلب كلمات الراحل محمد وردي وهو يردد بلحنه العذب:
أصلو العمر
حباً كان وشوقاً كان وصبراً كان
فسيح.. وفسيح..
أصلو كان درباً مشيتو كسيح..
درباً سقيتو بكاء
وقبضت الريح
هكذا هي السياسة من أجل مصلحة الوطن «شرطاً» يكون فيها الصبر المُر وعدم الانفعال ورد العقل الذي قد يتضرر منه الوطن والمواطن.. وتضرر الوطن والمواطن بعد هذا التاريخ 12 ديسمبر 1999م بتمرد إضافي في دارفور.. وبقتل الطالبة رشا عبد الله في مظاهرات قادها المؤتمر الشعبي في الفاشر.. الطمأنينة تأتي بالصبر.[/JUSTIFY]