الصادق الرزيقي

حالة تستحق المبادرة

[JUSTIFY]> لا يمكن تصور ما سيكون عليه العالم والمنطقة بعد حين من الدهر قصير، فالتطورات التي تجري حول السودان وفي محيطه ومجاله الحيوي، تطورات مهمة على المستوى الإستراتيجي، بصعود وانبعاث قوى جديدة وأفول أخرى وتثاقلها إلى الأرض، وينبغي للعقل الاستشرافي في السودان أن ينشط بقوة في اتجاه تحديد مسارات جديدة، والبحث عن موضع آمن وإيجاد مكان متقدم وطبيعي في خريطة المنطقة التي تتشكل.
> ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية وبرلمانية تحفها الكثير من المواقف المتشنجة من أحزاب المعارضة وتشكك فيها حتى قبل إجرائها وإتمامها وحدوثها، فمن الطبيعي أن يبدأ التفكير منذ الآن وقبل الانتخابات في جعل الظروف المحيطة بها وإفرازاتها ونتائجها مقدمة لتوافق وطني بناء سواء أكان عن طريق مبادرة الحوار الوطني أو نشوء تحالفات جديدة وفعَّالة تلجم الخلافات وتفتح نافذة للتعاون والتنسيق السياسي بين كل القوى الحزبية، لتجنيب البلاد الصراعات المدمرة والأفخاخ المنصوبة وسد الذرائع امام أية فتن مقبلة.
> ما تمور به الساحة السياسية وتفور ليس مطمئناً.. فلا الحكومة والحزب الحاكم يقدران بدقة النتائج الوخيمة لاتساع الرتق بين الفرقاء والغرماء السياسيين، ولا القوى الحزبية المعارضة تستطيع النظر خارج إطاراتها الذاتية وإدراك ما إذا كان الوطن سيبقى كما هو إذا زادت الخلافات والصراعات وتمددت ألسنة نيرانها!!
> نحن في أمس الحاجة إلى توافق وطني فعَّال، يتجاوز الأشكال السابقة غير المنتجة، فالحوار الوطني رغم أنه فكرة خلاَّقة وجذابة إلا أنه تعثر ولم يتقدم خطوة واحدة ومات في مهده ولم تكتب له الحياة لتبث فيه روح تجمع ولا تفرق، فالمطلوب الآن البحث عن صيغ متعددة وتسير في اتجاه واحد، تتحقق بها منشودات وطنية عزيزة وغالية وأهمها وحدة الصف والموقف والاستبصار لما يخبئه المستقبل، وتستطيع العبقرية السودانية أن تبدع طريقاً ثالثاً لا إفراط فيه للوطن ولا تفريط في مكتسب شعبه وثوابته، فالمسافة بين غالب القوى السياسية المؤثرة والقوى الاجتماعية ذات التأثير متقاربة ودانية، لكن الاستمزاجات الشخصية والتنافس غير الشريف والمطامع والبحث عن الغنائم والتربح والتكسب غير المشروع في سوق السياسة يجعل كثيراً من الأفكار الكبيرة تموت تحت خوافي وقوادم الشجارات الحزبية ومضاعفاتها وآثارها الجانبية.
> إذا كانت الانتخابات المقبلة فرصة سانحة للعرض على فترينة فارغة، فإنها حتماً ستكون أكثر إلحاحاً لو نظرنا إليها كوسيلة وحيدة لتبادل السلطة، فلا مجال غيرها، إلا إذا كان هناك من يعتقد أو مازال يؤمن بعد دروس الواقع العربي الراهن، أن العمل المسلح أو الهبات الثورية على طريقة الربيع العربي ستكون برداً وسلاماً، حيث ستستعاض النار بالرمضاء!! وليس في شمسنا الحارقة وطقسنا الحار سوانح تطول فيها فصول الربيع أو أزهاره الثورية.
> وبالنظر إلى ما تعاني منه منطقتنا العربية والمجال الإفريقي، فليس في مقدورنا النجاة ببلدنا من هوج الرياح العاصفة التي ستهب على المنطقة حوله، إلا إذا جلسنا على الأرض جميعنا وغلَّبنا مصالح وطننا العليا، وقدرنا أحوالنا ونظرنا إلى المستقبل، فالسلطة مطلوب منها اليوم قبل الغد عدم الانغماس فقط في أجواء الانتخابات ونسيان ما هو أهم منها.. فالإجماع الوطني والتوافقات باتت هي طوق النجاة من كل الشرور المحدقة، ولا سبيل غيرها للابتعاد عن أنياب الذئاب التي تأكل من الغنم القاصية.[/JUSTIFY]