مقالات متنوعة
خالد ساتي : اشراقة في زمن منطفيء!
سنحتاج لسنوات ضوئية إلى أن تتغير هذه الثقافة المتجذرة إلى حد التخمة .. وستواجه قرارات الوزيرة بالمزيد من التحايل والالتفاف .. وفي أول جولة تفقدية ستكتشف الوزيرة أن الموظفين والعمال الأماجد مازالوا يتناولون وجبة الافطار “على أقل من مهلهم”.. ويتقاسمون في أنسٍ لطيفٍ الحل الجماعي للكلمات المتقاطعة .. والقراءة الروتينية للصحف اليومية.. ويتدفقون على بصات أداء الواجب الاجتماعي في الأفراح والأتراح.
لن ينصلح حال الخدمة المدنية ـ السيدة الوزيرة ـ إلا اذا تم تحسين أوضاع العاملين بها .. زيادات معتبرة في الرواتب تجعلهم قادرين على مواجهة متطلبات الحياة الكريمة.. حل جذري لأزمة المواصلات يمكنهم من الوصول إلى أماكن العمل والانصراف إلى بيوتهم بكل سهولة ويسر ..مراجعة الهيكل الوظيفي ومنح الترقيات والبدلات لمن يستحقونها ..وضع الموظف المقتدرفي الوظيفة المناسبة ومكافأة المتميزين والمثاليين.. بعيداً عن شرط الولاء السياسي وتقديم ذي القربى والمعارف والأصحاب..توفير آلية تضمن السكن والعلاج والتعليم لأسر العاملين.. تعزيز المؤسسية التي تضمن الحقوق والواجبات وتقطع الطريق أمام الرشوة والفساد والمحسوبية.
أول رد سيقوله موظف الخدمة العامة “المغلوب على أمره” في حال إن تم استدعاؤه لمخالفته قرارات السيدة الوزيرة: هو إنتو بتدوني كم عشان تحاسبوني ؟.. ماهيتكم دي رايحة فطور وحق مواصلات ساي .. رضينا بالهم والهم ماراضي بينا !!
هؤلاء أيتها الوزيرة يصعب مساءلتهم ومحاسبتهم .. ينتظرون مجرد توبيخ عابر من مسؤوليهم لفش غبينتهم واخراج الهواء الساخن من صدورهم.. هم قنابل موقوتة وجاهزة للاشتعال السياسي في أول مظاهر احتجاجية على طريق عام.. توقعي هذا المشهد في حال مورست أية ضغوط عليهم لتنزيل قراراتك الأخيرة .. وتحسبي جيداً لحملات كلامية من العيار الثقيل وربما متاجرة مجانية بقضايا العمال لمجرد الكسب السياسي .. فطقوسهم اليومية أشبه بالمقدسة وماكانوا يفعلونه وسيستمرون فيه هو درجة من التعود يستعصي التخلي عنها .. وحالة من “الادمان “يصعب الشفاء منها ..
لا أحد يرفض قرارات اشراقة التي جاءت إلى الوزارة بعد أن تمكن منها الترهل الاداري وتراكم الغبار على قوانينها وغطت الأتربة دفاترها ناصعة البياض في سنواتها الذهبية .. حيث الانضباط وصل قمته والالتزام ارتفع إلى ذروته .. وبلغ التفاني والإنتاج سقفاً طموحاً يوازي تماماً ماكان يجده موظف الحكومة من تقدير معنوي ومادي وتدريب وتأهيل واحترام يصعب معه رشوته أو ايقاعه في مستنقع الفساد الآسن.
لا أحد عاقل يرفض القرارات التي تحاول إنقاذ مايمكن إنقاذه .. أو يمكن أن يضع علامة “صاح” أمام اجابة الموظفين الذين يرفضون الالتزام بهذه القرارات والخضوع للمساءلة بحجة ضعف الرواتب وكونها لاتكفي “حق المواصلات والفطور” ..فالعمل مسألة مقدسة وواجب أخلاقي تجاه وطن نحبه ويفترض أن نقدم من أجله كل التضحيات دون انتظار المقابل وقبض الثمن .. لكن ومع تسليمنا بكل ذلك .. هل ينفع البكاء على اللبن المسكوب ؟! فقد تصدع آخر جدار للصد والحماية التي تمنع الانهيار الكبير عبر حقب من الاهمال الحكومي واقحام كل ماهو سياسي في أمور تسيير الخدمة العامة.. وترافق مع ذلك التجاهل عن تقديم استحقاقات عاجلة كان يمكن أن تحفظ ماء وجه من يعملون بها وأن تجعلهم أكثر حصانة من الوقوع في فخ التسيب والتردي الذي تحاول الآن وبعد مرور كل هذه السنوات وزيرة العمل قيادة حملة تطعيم طارئة ضد أمراض الشيخوخة المبكرة للمرافق الحكومية ومحاولة ادخالها غرفة العناية المركزة .. !
هي ربما تعلم أن كل محاولات التحصين من قبلها باءت بالفشل .. لأن جرعات التطعيم إما جاءت متأخرة وبعد انتهاء مرحلة الوقاية .. أو لأن هذه الامصال لاتحمل في تكوينها العلاج الناجع الذي يبحث في جذور المشكلة قبل أن يكتب لها الوصفة الطبية المفضية للتعافي والشفاء.
وبعيداً عن فوبيا اليأس وادمان الفشل فإن خطة وزيرة العمل لو تحولت إلى رؤية استراتيجية وتوجه عام .. ووجدت الدعم اللازم والسند القوي.. وتضمنت حوافز منصفة للعاملين واستجابة سريعة لمطلوباتهم وضمن البيئة السليمة والمعافاة .. إن حدث ذلك من الممكن أن نتحدث بثقة لاحقاً ومن خلال تأسيس ثقافة جديدة ومتدرجة عن احياء كامل للخدمة المدنية التي شبعت موتاً ..وعن موظفين يؤدون واجباتهم على أكمل وجه وفي كامل اللياقة ..والانضباط والالتزام .
الوزيرة الهمامة اشراقة على حق .. والثورة الجادة التي ظلت تقودها مبررة وواجبة وضرورية .. لكنها ـ فيما يبو ـ جاءت في ” الوقت الضائع ” والسنوات الخطأ .. إنها اشراقة في زمن منطفىء!! [/JUSTIFY]