حسن إسماعيل : الويل لنا
الرجلان جاءا مطرودين من بناية ديوان الزكاة القريبة من مبنى الصحيفة، أحدهما كان يعمل في بيع الخضار، يذهب إلى السوق خماصاً، ويعود بنعمة ربه شبعاناً مرتوياً بالحلال، مستور الحال، هانئاً في سربه وكأن الدنيا قد سيقت إليه.. ظل هكذا إلى أن صدمه صاحب سيارة ثم ولى هارباً، فخلفه من ورائه مكسوراً معاقاً لا يقوى على الحركة، يتعث في مشيه (يقع ويقوم) فتتكاثر عليه الجراح، ظل مغموراً بعطف زملائه في السوق.. وإيه الدنيا غير.. لمة ناس في خير؟.
قصد صاحبنا ديوان الزكاة حتى يوفروا له عصاة طبية يتوكأ عليها أصحاب الإصابات مثله ثمنها لا يتجاوز المائتين جنيه حتى تمنعه من السقوط وتعينه على معاودة الحركة عساه يعود ساعياً وراء رزقه بنفسه ويقيتها مطعماً وسقياً ولباساً ومأوىً.
قال الرجل للأخت طاهرة إنه لم يقصد الديوان إلا من بعد أن قال إعلاناته عن نفسه وعطائه للفقراء وأصحاب الحاجات وأهل النوازل الذين تتنزل عليهم أقدارهم فيبيتوا في حكم العجزة والمعوزين، ولكنه لم يكن يظن أنه مجرد إعلان لا يملأ الجيوب، لا يجلب غائباً ولا يدفع مقضياً ولا يعين على نوائب الدهر، قال بعينين دامعتين.. إنه أكثر الذهاب إلى الديوان وأكثروا هم من رده وطرده بعدد مرات ما ساقته أقدام الحاجة والعوز إليهم، ثم باغتها بالسؤال.. ماذا يفعل رجل مثلي؟ هل أعلق نفسي على شجرة فأرسل روحي إلى بارئها؟، ثم غطى وجهه بكفيه وبنمنمة طويلة من الاستغفار.
صاحبه الآخر.. احترق بيته وحماره الذي كان يسعى به على رزقه.. وهو في كامل صحته لا يريد إلا قليلاً تعينه لأيام حتى يعاود الوقوف على قدميه ويسعى على رزقه.. فقصد الديوان فصده الحراس أصحاب اللبسات الإفرنجية الذين لا يكثرون الحديث مع هؤلاء وفي مثل هذه الحالات.
السؤال الكسير الآن الذي يبحث له عن عصا هو الآخر ليتوكأ عليها.. ألا تكفي أموال الزكاة لتغطية مثل هذه الأوجاع والحالات؟، هل الأموال لا تكفي أم أن سوء الإدارة وبؤس التدبير هو الذي يخلف كل هذه المآسي.. أم أننا نسأل عن أشياء إن بدت لنا تسؤنا؟… عزيزي الفاتح عز الدين.. أين أنت؟، وأين وعدك؟ إن الناس في مقبل أيامهم سوف لن يجدوا محتاجاً يتصدقون عليه؟، هنا جريحان يبحثان عن مال الزكوات فلا يجدان…[/JUSTIFY]