[JUSTIFY] إذا كان حول موضوع مصادرة «41» صحيفة يوم أمس الأول يقول بأن قوانين جهاز الأمن والمخابرات تسمح له بأن يصادر الصحيفة متى ما رأى أن هناك تهديداً للأمن القومي أو إثارة الكراهية أو بث الشائعات والفتن، فإن المشكلة إذن بهذا الكلام تبقى في الصحيفة نفسها، أو في الاختلاف حول تقديرات السلطات.. أي ربما ترى الصحيفة أن تقديرات السلطات تختلف عن تقديراتها. لكن في مثل هذه المسائل المذكورة وأهمها «الفتن» طبعاً لا أظن أن تقديرات الصحف فيها تكون بعيدة عن تقديرات السلطات. ثم إن كان بالفعل أن تقديرات السلطات من أجل حماية الأمن القومي وحماية المجتمع من الفتن والانشغال بالإشاعات، فمن يلومها في هذا؟!. إذن المسألة مسألة تقديرات. ومثلما اجتهدت القوات المسلحة ممثلة بالأكاديمية العسكرية العليا في تنظيم مؤتمر إستراتيجي للإعلاميين والعسكريين، وقد أتى أكله، فإن جهاز الأمن والمخابرات الوطني مدعو لتنظيم مؤتمر مماثل للإعلاميين والأمنيين. والآن كثير جداً من الإعلاميين استوعبوا تماماً كيفية التعامل الوطنية مع الشؤون العسكرية أخباراً كانت أو معلومات. بل إن بعض الكتاب الصحفيين انبرى للمشاركة في الحرب عبر قلمه لصالح الدفاع عن الوطن تحت لافتة «الحرب خدعة».. وكتب أن أحد أهم قادة التمرد قد قتل في منطقة خارج الحدود ودفن بالقرب منها وسرت الاشاعة «الإيجابية» وتسببت في تعطيل هجمات للمتمردين بعد تثبيط همتهم تماماً. وهكذا هو التضامن الوطني بين «القلم والسلاح». فالوطن وطن كل المواطنين وما يسوء العسكريين ينبغي أن يسوء الاعلاميين كذلك. ولولا العسكريون وبسالتهم في الدفاع لما وجد الاعلاميون أجواء الاستقرار التي يمكنهم من أداء عملهم. كذلك ما يراه جهاز الأمن والمخابرات بتقديراته إنه يضر بالأمن القومي أو يجلب الفتن في المجتمع وصحت هذه التقديرات، فإن للإعلاميين أيضاً مصلحة مرتبطة بها تماماً. ويقول وزير الاعلام مؤخراً تعليقاً على مصادرة «41» صحيفة أمس الأول: «إن الأمر سيظل على هذه الحال حتى يتم تعديل الدستور وقانون جهاز الأمن والمخابرات».. انتهى.
وهنا تساؤل: هل نسي السيد الوزير تعديل الدستور قبل أسابيع وكانت أبرز تعديلاته ما يخص جهاز الأمن والمخابرات؟!.
وهل هناك مشروع تعديل آخر لتعديل آخر تعديل كان قريباً منذ أسابيع؟!.
وهل التعديل الذي يقصده السيد الوزير سيغل يد جهاز الأمن والمخابرات إذا أرادت أن تمنع ما رأته يضر بالأمن القومي ويجلب الفتن؟!. كله كلام غريب من الوزير.. غريب جداً. فهو يتحدث عن تعديلات دستورية أمرها انتهى بالنسبة لهذه القضية.. وحتى لو حدث مستقبلاً شيئاً من هذا القبيل فإن هناك من سيقف ويقول إن الاضرار بالأمن القومي وإثارة الفتن والكراهية ليست مشكلات ينتظر التقاضي فيها بعد وقوعها وإنما يجب واجباً دينياً ووطنياً الوقاية منها قبل أن تصبح قضايا أمام المحاكم. وطبعاً معروف أن أهم أعمال المباحث الجنائية هو منع وقوع الجريمة ويمكننا القول بأن عملية مصادرة «41» صحيفة في فجر واحد من شأنها أن تنبه إلى ضرورة التفكير في ملتقى إستراتيجي للإعلاميين والسلطات الأمنية حتى تطرح فيه أفكار وتساؤلات الاعلاميين وتوضح فيه السلطات الأمنية كيفية تشكيل تقديراتها لما تراه مضراً بالأمن القومي ومثيراً للفتن والكراهية. فلا بد للطرفين من استيعاب كل هذا وذاك.
إن مثل هذا الملتقى من شأن ثماره ألا تدع مجالاً لمصادرة الصحف بهذا الرقم الكبير في يوم واحد. إن «المصادرة» قد تكون على مضض.. لكن ربما كنت بمنطق «المضطر يركب الصعب» كما يقول المثل.
إذن لم يكن كلام الوزير موفقاً البتة، وهي المرة الثانية التي يخفق في الحديث رسمياً فيها. والمهم الآن هو أن يفعل جهاز الأمن ما فعلته القوات المسلحة وهو الملتقى الإستراتيجي للإعلاميين والعسكريين.[/JUSTIFY]