مقالات متنوعة

د. عبد الماجد عبد القادر : الحَاوِي خِرّيج القهاوِي!؟

[JUSTIFY]عبد الجبار الإشتراكي تم إطلاق لقب الإشتراكي عليه لأنه زول «منضمة» وعكليتة ويحب أن يحفظ الغريب من الأقوال والكلام الذي يتشدق به الكثيرون من أدعياء المعرفة والثقافة.. وعبد الجبار جاء مؤخراً من الريف على مشارف بداية الانتخابات مزوداً بذخيرة كبيرة من المفردات الجديدة التي تساعده في عمله كوكيل مرشح، وفي السابق كان يردد شعارات من نوع الحركة الجماهيرية والإشتراكية العلمية والوحدة الأساسية والنظام الأساسي أيام كانت مايو على قمة السلطة.. وفي الفترة الانتقالية بتاعة الصادق المهدي كان يردد كلمات مثل الإئتلافية والحزبية الضيقة والعُمق الجماهيري.. وجاءت الإنقاذ لينخرط الرجل في صفوف اللجان للشعبية وتتغير ألفاظه وتعابيره خلال فترة العشرة أعوام الأولى من عمر الإنقاذ إبتداءً من أمريكا وروسيا قد دنا عذابها مروراً باحتفالات عرس الشهيد وأحسب أنه واحتسب فيه ولا أزكيه على الله وجزاك الله خير ويا أمريكا لِمي جدادك.. ثم تغير الرجل في السنوات اللاحقة مع توقيع اتفاقية نيفاشا وصار يردد الكلمات التي يلتقطها من أفواه قارئي الصحف والإذاعات وصار يقول الوحدة الجاذبة والسلام الشامل والحركة الشعبية وأخيراً صار يردد كلمات جديدة مثل الانفصال السّلِسْ وسلاسة الانفصال.. وقد سألت عبد الجبار يوماً عن معنى السلِسْ فقال إنه السلسيون الذي يشمه الأولاد الشماسة وهي مادة لاصقة من مشتقات الكحول او البترول يستعملها المساطيل في شكل «شمة» تجعل أحدهم «لاطش» طول اليوم.. وقد تعبت كثيراً في أن أفهمه أن السَلِسْ بفتح السين وكسر اللام لا علاقة لها بالسِلسْ بكسر السين واللام فالأولى مشتقة من معنى «السلاسة» أي الانسياب والمرور بهدوء بينما الثانية هي تلك المادة المسطلة.. والسلاسة لا علاقة لها بالرقم ثلاثة..

المهم أن عبد الجبار الإشتراكي في هذه الأيام سوف يركب موجة الانتخابات وقرر أن يعمل وكيل مرشح يدعو الناخبين لتصويت لمن يدفع.. وقد ذكر لي أنه الآن لديه مجموعة كبيرة من المرشحين منهم من ينتمون إلى أحزاب كبيرة ومنهم مستقلون والرجل يعمل لصالحهم جميعاً على الرغم من تضارب أفكارهم ورؤيتهم واختلاف أحزابهم وتنافر مقاصدهم.. وقال عبد الجبار إنه قادر على إدارة هذه العملية خاصة وأنه لمدة طويلة ظل أهل قريتهم في الريف ينتظرون مثل هذا «الأوكازيون» حتى يبدعوا فيه.. وقال إنه يعتقد أن قروش ناس الخرطوم كلها آتية من أموال «سفح ولفح» ومن حقهم أن يأكلوها…. ولهذا الغرض فإن عبد الجبار الإشتراكي قد اتفق مع مجموعة من سائقي الأمجاد والهايس والركشات والدفارات وحجزهم من الآن حتى يؤجرها لبتاعين الانتخابات وقد شكل فريقاً للعمل من مجموعة أولاد الأسرة ليقوموا بتحديد الجماهير القابلة للترحيل وتحديد سعر الصوت حسب نوع الحزب وصوت الرجل ضعف صوت المرأة.. وقد ذكر لي أن سعر الصوت للحزب الشيوعي يختلف عن سعر الصوت للحزب الاتحادي وأن سعر الصوت المباع للمرشح المستقل أرخص ثمناً من الآخرين لسببين اولاً: لأن المرشح المستقل في الغالب ليس لديه أي أموال ولا يجد دعماً كبيراً ومن ناحية أُخرى فإن المرشح المستقل غير قادر على متابعة الناخبين وقد لا يعرفهم لأن وكلاءه قليلون أو معدومون بينما الأحزاب السياسية يكون لديها رقباء متعبون في كل قرية ومستفيدون يتابعون عن قرب أي صوت يتم شراؤه.. وقال عبد الجبار الإشتراكي إنه تتم مقاولة مندوب الحزب على مجموعة من الأشخاص الراغبين في بيع أصواتهم ويتم استلام المبلغ وتسليمه للمواطن على أن يقوم بالحلف بالإيمان المغلظ انه سيعطي المرشح المحدد وفي بعض الحالات يتم الحليفة على أحد شيوخ القرية الأحياء منهم أو الأموات وقد يضطر أحدهم الى أن يحلف بالطلاق أو الحرام او يحلف بأولاده العشرة..

وعبد الجبار قال إنه إتفق مع مجموعة من «الهِتَّيفَة» لكي يهتفوا باسم المرشح في المايكرفون عندما يتحدث او يرددوا الشعارات التقليدية بأنواعها حسب كل نوع وشاكلة من أشكال الأحزاب. مثلاً في حالة الحزب الشيوعي يهتفون بقول عاش كفاح الطبقة العاملة، وفي حالة حزب الأمة يمكن أن يقولوا الله أكبر ولله الحمد، وفي حالة الاتحادي الديمقراطي يهتفون قائلين عاش أبو هاشم، وفي حالة الحزب الاتحادي الآخر يقولون عاشت وحدة وادي النيل، وفي حالة المرشح المستقل يؤلفون هتافاً متناغماً مع اسم المرشيح مثلاً إذا كان اسم المرشح عثمان فإنهم يهتفون قائلين «عاش عثمان في الميدان»، وإذا كان رمز المرشح المضاد لمرشحهم الفانوس فإنهم يقولون «الفانوس جانا يكوس». وقد سألته عن ناس المؤتمر الوطني والإنقاذ واستغربت أنه لم يذكرهم فقال لي إن الجماعة ديل لا يحتاجون إلى “مقاولين” في الانتخابات لأنهم منظمين جداً من ناحية ولأنهم منذ أيام التسجيل قد فرغوا من المسألة ويعرفون تماماً العدد والنوع الذي سيصوت لهم بالدقة والدقيقة.. وعندما سألته هو شخصياً عن الجهة التي سيعطيها صوته قال لي إنه على الرغم من أنه مقاول انتخابات لكثير من الأحزاب والمستقلين وعلى الرغم من أنه كان معروفاً بعدم الالتزام مع الإسلاميين إلاّ أنه مع ذلك سيعطي صوته للمؤتمر الوطني وللبشير بصفة خاصة لأن أمر البلاد لا يستقيم وأمانها لا يكتمل في ظل الظروف الحالية إلا بالتصويت لناس الإنقاذ ثم ننظر بعد استقرار الأمن بالبلاد في إمكانية إزاحتهم.. وقال إن مجموعة جوبا لو فازت في الانتخابات فعلى البلاد السلام ..

وأخيراً تمنيت لأخينا عبد الجبار كل التوفيق في مهنة مقاول انتخابات بعد أن علمت منه أنه حصل على هذه الخبرة العميقة لأنه «حاوي وخريج قهاوي».. وله بعد اقتصادي بالفطرة وهو يتوقع أن تكون حجم الكتلة النقدية السائلة لغرض الانتخابات في قريتهم والتي ستدفعها الأحزاب لا تقل عن خمسة مليارات جنيه وتكفي لإنعاش القرية في الخمس سنوات القادمة.[/JUSTIFY]