مزمل ابو القاسم

دولارات في السهلة

[JUSTIFY]* نشرت (اليوم التالي) قبل أيام خبراً مثيراً، تحدث عن سرقة مبلغ تسعمائة ألف دولار من خزانة تتبع لإحدى الجامعات الخاصة.

* في اليوم التالي للحادثة تابعت الزميلة المتميزة بخيتة زايد الخبر، وأوردت تفاصيل تحريات الشرطة، التي أحالت البلاغ والموقوفين إلى المباحث، وكونت فريقاً متخصصاً من فرع الأدلة الجنائية لإجراء المزيد من التحريات حول السرقة المثيرة للجدل.

* الخبر الذي يثير الاستغراب حقاً، ويستحق الوقوف عنده بالتدقيق لا علاقة له بكيفية السطو على خزانة اتضح أنها لم تتعرض للكسر، بقدر ما يتصل بالكيفية التي حصلت بها الجامعة المذكورة على المبلغ الضخم، ومسببات احتفاظها بما يقارب المليون دولار أمريكي بعيداً عن الأوعية المصرفية المعتادة، ووضع كل تلك الدولارات في خزانة خاصة، داخل مباني الجامعة، لتصبح عرضة للسرقة.

* يفتح الخبر باباً للحديث عن الفوضى المصاحبة لعمليات تحصيل الرسوم الدراسية في جامعات ومدارس سودانية خاصة، تفرض على طلابها أن يدفعوا الرسوم بالعملات الصعبة، وتزدري الجنيه السوداني، وتعتبره غير مبرئاً لذمة مواطنين، يدرسون داخل وطنهم.

* لو فرضت الجامعات والمدارس المذكورة على الأجانب أن يدفعوا رسومهم بالدولار أو اليورو أو الإسترليني أو الين الياباني أو حتى الشلن اليوغندي لكان فعلها مقبولاً وسعيها مشكوراً، لأنها كانت ستسهم في رفد اقتصاد الوطن بمبالغ طائلة بالعملات الصعبة!

* لكنها تمارس (حكم القوي على الضعيف)، وتهين عملتنا الوطنية في عقر دارها، وتأبى اعتمادها لتغطية الرسوم الدراسية، ثم يتبجح بعض ملاكها وإدارييها بأنهم يلزمون الطلاب بدفع الرسوم بالعملات الحرة، لأن البنوك التي يتعاملون معها لا تمنحهم الدولار، ولا تسمح لهم بسحب ما يمتلكونه من عملات أجنبية من الحسابات الخاصة بمؤسساتهم.

* عذر أقبح من الذنب!!

* يحدث كل ذلك أمام ناظري وزارتي التربية والتعليم العالي والبنك المركزي والجهات الأمنية المسؤولة عن ضبط التعامل بالنقد الأجنبي، ولا أحد يحاسب المنتهكين، ولا أحد يلزمهم باحترام العملة الوطنية.

* تمتد حالة الفوضى المستشرية في المجال المذكور إلى حضانات ورياض أطفال، تلزم من يتعاملون معها بدفع الرسوم بالدولار، وهناك داخليات مخصصة لأبناء المغتربين، تتحصل الرسوم بالطريقة نفسها.

* معظم المبالغ المذكورة لا توضع في المصارف، بقدر ما تتجه إلى جيوب وخزائن تجار الدولار الحار.

* تطرقنا إلى هذا الملف سابقاً، وناشدنا وزارة التعليم العالي أن تتدخل لوقف تلك الفوضى، وطالبنا الجهات المختصة أن تنهي الإهانات غير المبررة التي يتعرض لها الجنيه السوداني داخل حدود الوطن.

* نبهنا إلى أن بعض الجامعات والمدارس الخاصة تنتهك قانون التعامل مع النقد الأجنبي (لعام 1981)، والذي يحصر التعامل مع النقد الأجنبي فى الأشخاص المرخص لهم، والمصارف والجهات المعتمدة، ويحدد الأشخاص والأماكن التى يجب أن يتم التعامل بها، ويعتبر أي مخالفة لتلك النصوص جريمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، والغرامة مع المصادرة، فلماذا لا يطبق ذلك القانون على المخالفين في الجامعات والمدارس الخاصة ذات الرسوم الدولارية المخالفة للقانون؟

* الاتجار بالعملات الأجنبية فى الأماكن غير المصرح بها أو بوساطة الأشخاص غير المرخص لهم يخالف كذلك نصوص قانون تنظيم التعامل المصرفى 2004، الذى يضع شروطاً محددة لممارسة المؤسسات (المالية) لأنشطتها، وتصل العقوبة متجاوزي القانون المذكور عشر سنوات سجناً.. فأين نحن منه؟

* أوقفوا تلك الفوضى، وأعيدوا للجنيه السوداني كرامته، واردعوا المخالفين بالقانون.
[/JUSTIFY]