مبدأ المعاملة بالمثل في الاسلام والقوانين الدولية
منح معهد دراسات العالم الاسلامي بجامعة ام درمان الاسلامية درجة الدكتوراة بتقدير «ممتاز» للدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وذلك على رسالته البحثية: «مبدأ المعاملة بالمثل في السلام وفي القوانين الدولية – العلاقات السودانية الأمريكية 1990-2006م» التي أشرف عليها البروفيسور حسن الساعوري وشارك في مناقشتها البروفيسور صلاح الدين الدومة ممتحناً خارجياً والبروفيسور محمود حسن أحمد ممتحناً داخلياً.. وأشاد المناقشون بالرسالة وما بذل فيها من جهد في الاعداد والبحث والتقصي وقالوا انها تمثل تجربة مميزة في الجمع بين التجربة العملية والمعرفة النظرية وأوصوا بطباعتها لفائدة أهل الاختصاص والدراسات المماثلة بعد اجراء بعض التعديلات والتصويبات الصغيرة..وضمت جلسة المناقشة عدداً من أصدقاء الطالب وأسرته وبعض العاملين بوزارة الخارجية..
…..
الحمد لله القائل في محكم التنزيل (ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنَّ ربك هُو أعلمُ بمنْ ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين) (واصبر وما صبرك إلاّ بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هُمْ مُحسنون) صدق الله العظيم الآيات: (125، 126، 127، 128) من سورة النحل
وقال تعالى في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حُبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والمُوفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)، (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحُرُّ بالحُرّ والعبد بالعبد والانثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)، (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون) الآيات: (177، 871، 179) من سورة البقرة.
وقال تعالى في سورة البقرة: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، (واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين)، (فإن انتهوا فان الله غفور رحيم)، (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين)، (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)، (وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وأحسنوا إن الله يُحبُّ المحسنين) الآيات (190، 191، 192، 193، 194، 591) من سورة البقرة.
وأصلي وأسلم على المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الذي أوردت السنة المطهرة انه عامل اعداءه بمثل ما عاملوه به فلم يبدأ بالعدوان.. فهو لم يبدأ حرباً ضد أي منهم ولم ينقض عهداً عاهده مع أحدهم وما كانت افعاله وحربه إلاّ رداً ودفاعاً ودفعاً للضرر وكان يحرص على ان يكون الرد على قدر الجرم لا بغي ولا عدوان ودون إغفال جانب العفو والصفح.. أما في حالة افعال الخير يكون الرد بالمثل أو بأفضل منه. (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).
هذا البحث بعنوان: (مبدأ المعاملة بالمثل في الاسلام وفي القوانين الدولية: العلاقات السودانية الأمريكية (1990 – 2006م) (دراسة حالة).
إن دوافع اختيار هذا البحث جاءت على خلفية ملاحظة اختلال قيم العدل المبنية على النظام الوضعي القائم، والخلل الذي حدث في المعايير التي تحكم العلاقات الدولية من ناحية نظرية وتطبيقية والذي أدى بدوره إلى سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، وإثبات ان القيم الاسلامية في مسألة المعاملة بالمثل في إدارة العلاقات بين الأفراد والأمم تؤدي إلى نتائج مهمة منها العدل والسلم والأمن العالميين والشعور بالرضاء.
هدفت الدراسة إلى مقارنة مبدأ المعاملة بالمثل في الاسلام وفي القوانين الوضعية تطبيقاً على دراسة حالة العلاقات السودانية الأمريكية (1990 – 2006م) أي بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي وحتى تاريخ بداية كتابة هذا البحث.. ولتحقيق هذا الهدف انطلقت الدراسة من افتراض مفاده أن النظام العدلي الاسلامي – لما يتسم به من شمول وحاكمية قيمية، أقدر من القانون الدولي على تحقيق العدالة والتوازن العالميين.
فرضيات البحث:
يفترض الباحث أن:
أ) مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية في ظل النظام الدولي الحالي لا يحقق العدالة بين الأمم والشعوب بل هو مدخل لسيطرة الأقوى.
ب) منظومة القيم الاسلامية في إدارة العلاقات بين الأمم والافراد تحقق قدراً من العدل والتوازن والرضا لم تستطع آليات النظام الدولي الحالي ان تحرزها.
ت) تتميز الدبلوماسية في الاسلام ببعدها الاخلاقي الذي ينعدم في الممارسة الدبلوماسية للدول العلمانية.
ث) إن فرص تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في النظام الدولي متعدد الاقطاب أفضل من النظام الآحادي والنظام ثنائي القطبية.
ج) تتسم السياسة الأمريكية بالاضطراب مما يعكس تأثير المصالح على المباديء.
ح) تأثرت العلاقات السودانية الأمريكية بتطبيق الشريعة الاسلامية وبأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م والموقف من حرب الجنوب ومشكلة دارفور والانقلاب العسكري على الديمقراطية.
خ) إعمال مبدأ المعاملة بالمثل يمكن ان يشكل عنصراً مهماً في تحقيق العدالة في العلاقات السودانية الأمريكية.
د) يعتمد مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية على مدى فهم المنطلقات الدينية المثالية والأخلاقية التي ترتكز عليها سياسة السودان الخارجية.
عمدت الدراسة مستخدمة المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي التحليلي إضافة إلى المنهج التحليلي المقارن إلى شرح المفاهيم المتضمنة في كل من النظام العدلي الاسلامي والقوانين الوضعية ثم سردت تطوراتها عبر الحقب التاريخية، مشفوعة بتطبيقاتها العملية، ثم تابعت بالتحليل والنقد المباديء العامة للسياسة الخارجية السودانية وكذا السياسة الخارجية الأمريكية، عارضة أسباب التوتر بين الدولتين ومدى فاعلية تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في سياسة كل بلد تجاه الآخر.
لقد وقع الاختيار على موضوع مبدأ المعاملة بالمثل لعدم وجود دراسة متكاملة افردت بحثاً مستقلاً فيه دراسة مقارنة بين دولة تطبق القانون الاسلامي واخرى تطبق القانون العدلي كحالتي السودان والولايات المتحدة الأمريكية.. تنتمي الأولى إلى دول العالم الثالث والثانية الى دول العالم الأول وجرت ممارسة عملية لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات بين الدولتين فالدراسات التي جرت حتى الآن تناولت الموضوع باقتضاب وفي الغالب في القانون وبعضها في الفقه وقليل جداً من البحوث التي أجرت مقارنات شاملة بين الفقه والقانون. ولم تتوافر حتى الآن دراسة مقارنة بين دولتين احداهما تمثل القانون الدولي ودول العالم الأول والثانية تمثل القانون الاسلامي ودول العالم الثالث وجرت تطبيقات عملية للمبدأ في العلاقات بين الدولتين مثلما تم في هذه الدراسة ساعد في ذلك ان الباحث مارس هذا المبدأ من خلال تجربته عندما كان وزيراً لخارجية السودان في الفترة التي غطتها الدراسة.
قسمت الدراسة إلى خمسة أبواب تناول الباب الأول الإطار النظري للدراسة والذي تناول فيه الباحث في الفصل الأول تعريف العلاقات الدولية ومراحل تطورها من خلال النظرية والممارسة عبر الحقب المختلفة من حياة الأمم كما تناولت الدراسة في هذا الفصل مناهج دراسة العلاقات الدولية والنظريات والمدارس المختلفة في تاريخ العلاقات الدولية. في الفصل الثاني من الباب الأول تناول الباحث العلاقات الدولية في الاسلام متناولاً مصادر التنظير في العلاقات الدولية في القرآن والسنة والفقه الاسلامي والممارسة العملية في ضوء ذلك.
أفرد الباب الثاني لمبدأ المعاملة بالمثل في القانون الدولي والمسيحية والشريعة الاسلامية حيث تناول الفصل الأول فيه مبدأ المعاملة بالمثل في القانون الدولي مورداً تطبيقات عملية لهذا المبدأ. في الفصل الثاني من الباب الثاني تعرضت الدراسة لمبدأ المعاملة بالمثل في المسيحية والشرق القديم.. وفي فصل ثالث تناول الباحث مبدأ المعاملة بالمثل في الشريعة الاسلامية مورداً نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية والممارسة العملية لها عند الخلفاء الراشدين، ثم المعاملة بالمثل في الفقه الاسلامي في العصور المختلفة.
تناول الباب الثالث من الدراسة النظام الدولي الجديد ومآلات الآحادية الدولية ومستقبل النظام الدولي في ظل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. كما تناول الباحث في هذا الباب مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية في ظل الآحادية الدولية وفرص تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في الانظمة الدولية الثلاثة.
أما الباب الرابع من الدراسة فقد تناول العلاقات السودانية الأمريكية وقد قسم إلى ثلاثة فصول تناول الفصل الأول السياسة الخارجية الأمريكية مرتكزاتها وموجهاتها ومراحل تطورها واهدافها، ثم تناول الفصل الثالث نشأة وتطور العلاقات السودانية الأمريكية منذ الاستقلال وحتى قيام ثورة الانقاذ الوطني. أما الفصل الثالث فقد تعرض للعلاقات السودانية الأمريكية في فترة حكومة الانقاذ الوطني حيث تناولت الدراسة الحركة الاسلامية السودانية: نشأتها ومراحل تطورها ووصولها للسلطة، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية السودانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، كما تناولت الدراسة المرتكزات الاساسية لسياسة حكومة الانقاذ الوطني الخارجية وأفردت مبحثاً لأسباب توتر العلاقات السودانية الأمريكية خلال هذه الفترة.
الباب الخامس تناول فيه الباحث موضوع المعاملة بالمثل في السياسة الخارجية للبلدين وممارسة هذا المبدأ في السياسة الخارجية السودانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
خلص الباحث في ختام الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات لتطوير مفهوم صناعة السياسة الخارجية وأهمية مبدأ المعاملة بالمثل في السياسة الخارجية السودانية.
إعتمدت الدراسة على مصادر أولية من وثائق وزارة الخارجية السودانية وسياسات الحكومة السودانية اضافة الى وثائق الخارجية الأمريكية وسياساتها، كما اعتمدت على تجربة الباحث الطويلة في المشاركة في رصد وتنفيذ السياسة الخارجية السودانية، سواء أكان ذلك على مستوى الحزب أو على مستوى الدولة. أما المصادر الثانوية فقد اعتمدت على الدراسات والبحوث السابقة المنشورة وغير المنشورة.
مناقشة النتائج مع الفروض:
خلصت الدراسة الى جملة من النتائج بعضها أكدت ما جاء في الفروض والبعض الآخر عارضه بشكل كلي أو جزئي كما أوصت الدراسة لمزيد من البحث في بعضها، (فقد أكدت الدراسة ان الفقه الاسلامي سبق القانون الدولي إلى معرفة مبدأ المعاملة بالمثل وتطبيقاته وهو مبدأ أصيل في إدارة العلاقات الدولية في الاسلام. وقد جاء واضحاً ومفصلاً في القرآن والسنة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين ورغم ذلك لم يجد طريقه ليكون على صدارة البحوث والدراسات الاكاديمية والممارسة السياسية والدبلوماسية مثل ما حدث في القانون الدولي. ففي الوقت الذي بدأت فيه معرفة وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في الاسلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام نجده في النطاق الدولي قد بدأ مع انتقال احكام قانون العين بالعين والسن بالسن من النطاق الداخلي منذ عصر المدنيات القديمة (روما القديمة، قانون حامورابي) وذلك في نهاية القرن الثامن عشر وهي المرحلة الحديثة للمعاملة بالمثل في النطاق الدولي.
عند المقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون الدولي يتضح ان الفقه يختلف عن القانون من حيث أن أول نشوء هذا المبدأ فيه كان يتناول العلاقة بين العبد وربه إلى جانب مسائل الأخلاق والآداب في المعاملة بين الناس ثم العقوبات أخيراً. بينما كان أول نشوئه يتناول العقوبات وما يتصل بها والسبب في ذلك أن الاسلام دين سماوي إلهي يقوم على اساس روحي أكثر منه مادي. وأحكام علاقة العبد بربه في مقدمة الاحكام التي تحكم حياة الانسان وعلاقته بغيرهم. كما ان مسائل الأخلاق تأتي في المرتبة الثانية لاتصالها الوثيق بالنواحي الروحية وفكرة الثواب والجزاء الاخروي، بينما القانون من وضع البشر لا يعنى إلاّ بالعلاقة بين البشر فحسب وأما ما بين الفرد وربه وما يتصل به من ثواب وعقاب اخروى فهي من قبيل العلاقة الشخصية التي لا صلة للقانون بها. من هنا يمكن القول إن العلاقات الدولية في الاسلام أو الدبلوماسية في الاسلام تقوم على مباديء وقيم الحق والعدل وهي قيم اخلاقية تشكل ممارستها بعداً عقدياً.
اختلفت نتائج الدراسة مع فرضية ان القوانين الوضعية تفتقر الى قيم العدل والأخلاق، فرغم عدم المساواة بين الدول الذي نجده في القانون الدولي مثل حق النقض (الفيتو) إلاّ أن في مباديء القانون الدولي بل حتى في دستور الولايات المتحدة الأمريكية نجد كثيراً من النصوص التي تشير إلى هذه القيم والمباديء وتبقى المشكلة هي الممارسة العملية التي تقوم بها الدول الغربية والتي تتجاوز هذه النصوص بمبررات مختلفة (وهنا تأتي أهمية البعد العقدي الايماني الذي تمتاز به الشريعة الاسلامية) وتستخدم هذه المبررات من أجل العدوان والسيطرة على مقدرات الشعوب. فقد اشارت الدراسة الى ان العلاقات الدولية في الغرب تأسست على مدارس متعددة منها المدرسة المثالية والمدرسة الواقعية وسيطرت المدرسة الواقعية على الممارسة السياسية للقوى الكبرى خلال فترات طويلة وما زالت تسيطر على منهج الممارسة في العلاقات الدولية، مما ابعد الاخلاق كضابط للممارسة في العلاقات الدولية، فقامت العديد من الحروب غير المبررة وخارج القانون الدولي أو الشرعية الدولية ولم تلتزم فيها القوى العظمى بأي بعد قيمي أو أخلاقي.
توصلت الدراسة إلى أن العلاقات السودانية الأمريكية تتسم بالاضطراب وعدم الثبات وتتفق مع الفرضية أن مرد ذلك لتغليب المصالح على المباديء وان من اسباب توتر هذه العلاقات حرب الجنوب ومشكلة دارفور وتطبيق الشريعة الاسلامية والعلاقة مع إسرائيل، وتختلف مع الفرضية التي تقول إن الانقلاب العسكري على النظام الديمقراطي وحقوق الانسان من الأسباب الرئيسية في توتر العلاقات السودانية الأمريكية، فقد أكدت الدراسة ان الولايات التحدة دعمت أنظمة عسكرية في السودان وفي غيره من البلدان لخدمة مصالحها وأنها حاربت أنظمة ديمقراطية في السودان وفي غيره من البلدان لخدمة مصالحها. من هذه الأمثلة أنظمة الشاه في إيران وبرويز مشرف في باكستان والأنظمة العسكرية في أمريكا اللاتينية ونظام الفريق عبود في السودان ونظام مايو بعد إطاحة الرئيس نميري بالشيوعيين في السودان.. كل هذه الأنظمة حظيت بالدعم والمساندة الأمريكية. بينما نجد انظمة ديمقراطية مثل مصدق في ايران والليندي في أمريكا اللاتينية والصادق المهدي في السودان قامت الولايات المتحدة بمحاربتها وزعزعت استقرارها بدرجات مختلفة الشيء الذي يؤكد ان سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان لم تكن تحكمها مباديء مثل الديمقراطية وحقوق الانسان كما تدعى بل تحكمها مصالح مرتبطة بدرجة ولاء أو تمرد النظام القائم في السودان على سياسات الولايات المتحدة وتؤكد الدراسة أن أحد الاسباب الرئيسية بل السبب الاساسي لعداء الادارات الأمريكية لحكومة الانقاذ الوطني مرتبطة بتوجهاتها الاسلامية وموقفها الرافض للسياسات الاسرائيلية حيث اعتبرت الولايات المتحدة ان هذه التوجهات مهددة بمشروع نفوذها في المنطقة وواجهت ذلك بعقوبات سياسية واقتصاية وعسكرية على السودان. أكدت الدراسة ومن خلال الممارسة العملية ان استخدام السودان لمبدأ المعاملة بالمثل في عدد من المواقف لمواجهة العقوبات الامريكية قد أتى أكله. وأن هنالك الكثير من العقوبات الأمريكية على السودان التي تتطلب استخدام مبدأ المعاملة باعتباره حقاً أقرته القوانين الدولية، كما أنه واجب شرعي للحفاظ على حقوق الأمة وكرامتها. وان مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية يقوم على الفهم الصحيح للمنطلقات الدينية والأخلاقية التي تقوم عليها سياسة السودان الخارجية والقراءة الصحيحة لواقع السودان وأحداثه.
بالرغم من ان الدراسة توصلت إلى ان فرص تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في النظام الدولي متعدد الاقطاب أفضل من الاحادي والثنائي القطبية إلاّ أن هذا الموضوع يحتاج لمزيد من البحث والدراسة واجراء مقارنات بين تطبيقات عملية في الأوضاع الثلاثة.
في نهاية الدراسة تقدم الباحث بمجموعة من التوصيات في مجال سياسة السودان الخارجية حيث أوصت الدراسة على ترسيخ مفهوم المعاملة بالمثل ليكون مصدر عزة وقوة للسياسة السودانية في كافة المحافل وحث الآخرين من الاصدقاء لأعماله في تعاملاتهم.
في مجال العلاقات السودانية الأمريكية أوصت الدراسة على أهمية تثبيت فريق من الباحثين والمختصين والخبراء من قدامى الدبلوماسيين ورجال المخابرات بحيث يحدث تراكم معرفي يؤدي الى خيارات صحيحة تساعد في إدارة العلاقات السودانية الأمريكية. مع الاهتمام بالتواصل الاعلامي ومع مؤسسات الدراسات والبحوث حتى لا يخدع الرأي العام الأمريكي بمعلومات خاطئة ويضغط على متخذي القرار لتبني قرارات خاطئة وجائرة.
في مجال البحوث والدراسات أوصت الدراسة بالاهتمام بالبحوث والدراسات في مجال العلاقات الدولية في الاسلام، حتى يتم تطوير وبناء نظرية للعلاقات الدولية في الاسلام متكاملة وتعالج قضايا العصر بقيم الاسلام واعطاء اهتمام خاص لمبدأ المعاملة بالمثل كركن اساسي في تحقيق العدالة في العلاقات الدولية.
في الختام يتقدم الباحث بالشكر والتقدير لكل من أسهم في اخراج هذه الرسالة ويخص بالشكر والتقدير الأستاذ الدكتور حسن الساعوري لتفضله بالاشراف على الرسالة ولتوجيهاته السديدة وآرائه العلمية النافعة حتى خرجت الرسالة بهذه الصورة وللزملاء بمكتبي الذين اسهموا اسهاماً كبيراً في اخراج هذا العمل واكتماله ولأسرتي الصغيرة والشكر موصول لادارة جامعة أم درمان الاسلامية.
«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»
صدق الله العظيم
والله ولي التوفيق
صحيفة الراي العام