البطان ثقافة انتقلت إلى أسوار الجامعات
الجلد أو «البطان» من العادات الراسخة عند بعض القبائل السودانية، ومن الطقوس التى تصاحب مناسبات الاعراس عند تلك القبائل، حيث يتطوع الشباب بالجلد أمام الفتيات والنساء، ويقوم العريس بمهمة جلد المتطوعين بالسياط على ظهورهم وسط أهازيج وزغاريد النساء. وينتشر البطان بين قبائل الجعليين والمناصير والكواهلة والبدو في شمال السودان، وفي منطقة البطانة بشرق الجزيرة.
وعرف «البطان» أنه من مظاهر استعراض الشجاعة والصبر على المكاره، ويصاحب طقوس الزواج في اغلب الأحيان، ويمارسه الشبان صغارا وكباراً،
وكثيرون وصفوا تلك العادة بالقاسية التي يتعرى فيها الرجل في المحفل على ايقاع الدلوكة والشتم والآت الموسيقى التقليدية والشعبية، فتلهب السياط جسده وتفري جلده حتى تُعالج آثارها بالزيت الساخن «الشيوية» وهو ثابت لا يتزحزح تصم أُذنيه اصوات الزغاريد وهو يُردد مقولة شائعة «انا أخو البنات، ويحردن الكاهليات او..».
ورغم تصنيف البعض «البطان» بأنه عادة ضارة بالصحة، إلا أنه عند هذه القبائل يعد تراثا لا يمكن التخلي عنه، فالسوط له أهمية قصوى عندما يغني فنان «الدلوكة» فيتدافع أصدقاء العريس إلى حلبة الرقص على إيقاع أغاني «العرضة» المصحوبة بالجلد بالسوط ليعبروا عن فرحتهم بزواج صديقهم، وربما ليسددوا ديناً عليهم، فالعريس ربما «جُلد» في زواج أحدهم، ومن يقوم بالجلد هو العريس أو شقيقه، فيخلع أحدهم جلبابه ويستعد للجلد، وفي الغالب العريس هو الذي «يعربنو» أي يبدأ الجلد فإذا «تراجع» المجلود فإنه يصبح حديث الناس وخاصة البنات، وإن أثبت شجاعته ولم يخرج من الحلبة إلا بأمر العريس ولو أشفق عليه أحدهم وحاول إخراجه، فإن العريس «يعربنه» هو الآخر ويحل محل الأول، وتجدر الإشارة الى انه لكل منطقة من مناطق الجعليين «بطانها» الخاص، ففي أدنى نهر عطبرة يتم الجلد على الكتف، أما في أعلى النهر فالجلد بالجنبين.
و«البطان» أو «الركزة» بحسب الباحث في تراث الجعليين عوض محجوب، انه مرتبط بنوع الغناء، فالسوط يصاحب دائماً أغاني الدلوكة التي تنقسم بدورها إلى نوعين، أغانٍ ثقيلة وأخرى خفيفة، فالثقيلة هي أغاني التراث التي تسمع فقط وتسمى في المدن أغانى السيرة أو الحماس، ولكنها في منطقة الجعليين غناء قائم بذاته وليست جزءاً من فاصل غنائي، وهذا النوع ليس فيه غزل وإنما يتحدث عن مكارم الأخلاق مثل المروءة والكرم والنخوة. ويقول عوض محجوب إن هذا النوع من الأغاني يملأ الشباب الجالس أمام بنات عمومته «ناراً» حسب تعبيره، وتدفع فيه شحنة قوية، وعندما يأتي دور الأغنية الخفيفة ترقص البنت والشاب يعرض، وهنا تحصل «الركزة» أو «البطان».
صحيح أن عادة «البطان» أصابها الخمول لفترة، إلا أنها عادت بصورة أقوى، لدرجة أن الأسابيع الثقافية في الجامعات تتحولت إلى «دارة ركزة» يجلد فيها شباب الجامعات ليعبروا عن تراث مناطقهم، وأكد عوض محجوب ان «الركزة» عادة يصعب التخلي عنها لأنها تمثل مكوناً لثقافة بعض القبائل.
وقد جسد الشاعر الذي ينتمي إلى منطقة الجعليين الراحل «عمر الطيب الدوش» البطان في قصيدة شهيرة تغني بها الفنان الكابلي «سعاد» وقال فيها:
دقت الدلوكة
قلنا الدنيا مازالت بخير
أهو ناس تعرس وتنبسط
تككت بالحنقوقة سروالي الطويل
سويتلو رقعات في الوسط
في خشمي عضيت القميص
أجري وأزبد شوق وأنط
لامن وصلت الحفلة زاحمت الخلق
وركزت
شان البت سعاد
الصحافة