تحقيقات وتقارير

موسم الحج .. انتعاش سنوي متجدد للاقتصاد السعودي

ما أن ينطلق التوقيت الفعلي لموسم الحج، وتبدأ بعثات الدول رحلاتها إلى الأراضي المقدسة، إلا ويبدأ فصل جديد من الحراك الاقتصادي بالسعودية يسمى باقتصاد الحج، وهو فصل تروج فيه التجارة وتنشط الخدمات وتتزايد الأعمال، مشكلاً بذالك انتعاشاً تجارياً يشمل جميع جنبات الحياة بالمدن المقدسة، وممثلاً لأحد مقومات التنمية في السعودية، حيث يبلغ معدل إنفاق الحجاج السنوي بالمليارات توزع نسبها ما بين الإقامة والمعيشة والسكن والسفر وتقديم الأضاحي وشراء الهدايا والمصروفات الإدارية والخدمية الأخرى.
قطاع الإسكان

ويعتبر قطاع الفنادق والشقق المفروشة والإسكان أبرز المستفيدين من هذا الحراك، حيث تصل نسبة الإشغال لهذه القطاع 100%، كما تدخل المنازل السكنية حيز التنافس، حيث يقوم ملاكها بتأجيرها لبعثات الحج، وهو الأمر الذي يجبر مستأجري الشقق، من منتصف شهر ذي القعدة، على ترك وحداتهم السكنية وإخلاء منازلهم والبحث عن بديل مؤقت عبر التوجه لمساكن أخرى في المدن المجاورة، وهو ما ينعش الحركة العقارية في منطقة الحجاز عموماً، حيث يشكل موسم الحج مصدر دخل مهم لكثير من سكان مدن الحجاز، وتشكل عوائد أصحاب المساكن المؤجرة نسبة مقدرة من إجمالي دخولهم التي تتأثر في الغالب بحجم إجمالي إنفاق الحجاج في فترة موسم الحج المقدرة بـ45 يوماً فقط.

ولا توجد إحصاءات أو أرقام دقيقة يمكن الاعتماد عليها في قياس أثار “اقتصاد الحج” على قطاع الإسكان من متحصلات أو رسوم فعلية، إلا أن أحدث دراسة في هذا الصدد أشارت إلى أن عوائد أصحاب الفنادق والشقق المفروشة في مكة يُتوقع أن يتضاعف بمعدل 2.6 مرات بحلول عام 2013 عما هي عليه الآن (2009 وقت الدراسة).

وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور عابد العبدلي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة أم القرى، أن مقدرة العوائد بدأت بنحو سبعة مليارات في بداية فترة التوقع عام 2000، والتي ستبلغ في نهاية فترة التوقع 2013 نحو 18.6 مليار ريال.

كما ينشئ قدوم الحجاج وإقامتهم في المدن المقدسة أنماطاً متعددة من الإنفاق وبالتالي طلباً في أسواق السلع، مثل شراء الهدايا والأطعمة، ويعتبر قطاع التجزئة المستفيد الثاني من هذا الحراك الاقتصادي الناتج عن توافد الحجاج إلى المدن المقدسة، حيث تنشط أسواق مكة والمدينة وجدة خلال الموسم بشكل ملحوظ ويتضاعف البيع في المحال التجارية.

وبفعل موسم الحج تتأرجح الأسعار ومثلها تتباين رغبات الحجاج الزائرين الذين ينكبون فور وصولهم أو حين مغادرتهم على البضائع والسلع والهدايا التي عادة ما تتنوع بشكل يرضي الذوق الاستهلاكي لملايين الحجاج، وتنشط حركة البيع في سوق المكتبات حيث الكتيبات والسمعيات المتعلقة بمناسك الحج، وتروج عمليات تبديل العملات الورقية القادمة من الدول المختلفة، ولا يقتصر ازدهار هذا النشاط التجاري على المدن المقدسة بل يشمل كافة المناطق التي يمر ويمكث بها الحجاج، مثل المواقيت والمدن الواقعة على الطرق المؤدية إلى الحرمين الشريفين.
وظائف موسمية

كما يمثل الحج فرصة ذهبية للمؤسسات التجارية والصناعية بالسعودية للترويج لمنتجاتها على الحجيج الأمر الذي يعزز من قدرتها التنافسية بين مثيلاتها في المنطقة، حيث تكون الفرصة متوافرة على طبق من ذهب للشركات السعودية لتحسين مستوى منتجاتها عبر معرفة مدى تقبل الحجاج لها، كما يقوم الحجاج من جهتهم بإنشاء حالة شرائية موازية لتلك الأسواق تتمثل في البضائع التي تأتي معهم من دولهم، حيث يستفيدون من موسم الحج لعرض السلع التي بحوزتهم للبيع وبأسعار خاصة على الحجاج الآخرين.

وتعتبر عمليات البيع وسيلة لبعض الحجاج غير الميسّرة أحوالهم لتغطية نفقات الحج أو تحقيق المكاسب، حيث تعتبر أن كل سلعة تقريباً قابلة للبيع والشراء في الديار المقدسة سواء كانت هدايا أو ألعاباً أو أجهزة إلكترونية أو ملابس قادمة من دول مختلفة.

أما سوق العمل السعودي فيشهد سنوياً آلاف الوظائف الموسمية التي يوفرها موسم الحج والتي تتنوع ما بين الوظائف التي تحتاجها الجهات الرسمية ممثلة في وزارة الحج، وأخرى تحتاجها مؤسسات القطاع الخاص، حيث تنخرط أعداد كبيرة من العاملين والموظفين الإداريين والفنيين في مختلف القطاعات وأهمها قطاع الإسكان والنقل والمحال التجارية.

وتتركز الوظائف التي توفرها الجهات الحكومية ممثلة في وزارات الحج والصحة وغيرها في قطاع الخدمات، حيث توفر ما يقرب من 50 ألف وظيفة سنوياً، يتمثل معظمها في مرافقة الحجاج وإرشادهم، وحراسة المخيمات وتنسيق النظام داخلها، وقيادة المركبات التي تنقل الحجاج بين المشاعر، وأعمال النظافة، فيما تتوزع الوظائف الأخرى بين شركات ومؤسسات حجاج الداخل ومؤسسات الطوافة والقطاعات الأخرى مثل الإسكان والتجزئة.

كما قدر عدد من المهتمين بالوظائف الموسمية أن تسجل فرص العمل في موسم حج 2010 ارتفاعاً ملحوظاً عن غيره من المواسم، معللين ذلك باستحداث مشروع قطار المشاعر الذي سيعمل لأول مرة داخل مكة المكرمة بسعة تشغيلية 34% مما سيوفر لوحده أكثر من 2000 وظيفة، بحسب الشركة المشغلة للمشروع.

وأوضحت دراسة أعدها الدكتور عابد العبدلي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة أم القرى، أن موسم الحج يساهم في زيادة التوظيف في قطاع الإسكان في المتوسط بـ5 عمال بمقدار 2 من السعودية في الأعمال الإدارية و3 غير سعوديين في الأعمال الأخرى تقريباً لكل دار سكنية مفروشة، بمعنى أن متوسط العمالة في موسم الحج يرتفع تقريباً إلى 14 عامل في الدار الواحد مما يؤكد على أهمية موسم الحج في زيادة الفرص الوظيفية مقارنة بالأيام العادية.

ويؤثر موسم الحج بشكل جزئي على المجال السياحي بالسعودية، مقارنة بتأثيره الكبير على أنشطة السياحة الدينية والمتمثلة في زيارات الآثار التاريخية التي تحفل بها المدن المقدسة ومناطق الحجاز الأخرى، كما تحظي المناطق السياحة والأثرية الواقعة خارج نطاق منطقة الحجاز بزيارات مقدرة يقوم بها بعض الزوار الميسرة أحوالهم وخصوصاً القادمين من الدول الخليجية والغربية.

وقدر مراقبون أن تتزايد النسبة مستقبلاً، لا سيما بعد إعلان الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية، أنها بصدد إطلاق برنامج “عمرة بلاس” وهو ما سيسمح للقادمين للمملكة بغرض العمرة أو الحج بتمديد فترة إقامتهم لزيارة مناطق أخرى لم يكن من المسموح لهم بزيارتها من قبل، حيث تمنع أنظمة تأشيرات العمرة والحج من التنقل بين مدن المملكة ما عدا داخل المدن المقدسة.

العربة نت