ختان الإناث .. تجاوز الممنوع
في مجتمعات بورتسودان، غالباً ما يدخل الحديث عن الصحة الإنجابية في نطاق الممنوع، ولكن مع شروع أفراد المجتمع في القيام بدور ريادي في تعزيز الوعي بأهمية الصحة، بدأت الأمور في التغيّر، وبدأ الناس يتحدّثون عن الموضوع بطريقة أكثر انفتاحاً، مما يجعل الفرق الطبية لمنظمة (أطباء بلا حدود) على ثقة كاملة بأن العمل الذي بدأوه بمستشفى التقدم في عاصمة ولاية البحر الأحمر في سنة (2005م)، والمتمثل في توفير خدمات الرعاية الصحية الإنجابية المجانية، سوف يستمر تحت إشراف وزارة الصحة وستستلم هذه الأخيرة المشروع من يد منظمة أطباء بلا حدود مع نهاية العام (2010م).
تحت السماء الزرقاء وأمواج البحر الأحمر المالحة تترامى على الشاطئ بالقرب منا قابلنا العم تيته، وهو جَدٌ وله أحفاد، وما زال يعمل مرشداً صحياً، إلى جانب كونه أحد زعماء قبيلته من البجا في محيط بورتسودان.
ما زال العم تيته يتذكّر تلك الأيام التي كان الناس فيها يسخرون منه ولا يقبلون كلامه: (كانوا يقولون لي: احترم شيبك، وذلك لأنني كنتُ أتحدّث بصراحة عن الآثار الطبية لختان الإناث).
العم تيته هو عضو في فريق مُكوّن من عشرة مرشدين صحيين، «8» من النساء ورجلين، ويعملون في وحدة للصحة الإنجابية بمدينة بورتسودان وتدعمها منظمة أطباء بلا حدود، المنظمة الدولية الناشطة في مجال العمل الطبي الإنساني.
وتقدم منظمة أطباء بلا حدود خدمات مجانية للنساء ومواطني بلدة التقدم وما جاورها، حيث لا تتوافر في هذه المنطقة خدمات الرعاية الصحية الإنجابية لمعظم السكان.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، دأب المرشدون الصحيون التابعون لمنظمة أطباء بلا حدود على طرق أبواب المنازل بوتيرة خمسة أيام في الأسبوع، حيث يزورون الناس في بيوتهم ويناقشون معهم قضايا الصحة العامة والصحة الإنجابية باللغتين البجاوية والعربية، ويتحدّثون مع الناس عن مواضيع شتى، مثل فوائد الولادة في المستشفى، وتنظيم الأسرة وفوائد الرضاعة الطبيعية، والأمراض المنقولة جنسياً، والتطعيم، بالإضافة إلى الموضوع الحساس وهو ختان الإناث.
في سنة (2006م)، تعرّضت حوالي (69%) من النساء في السودان عموماً، و(80%) من النساء في ولاية البحر الأحمر إلى أحد أنواع الختان.. وفي بلدة التقدم والمناطق المجاورة كانت المعدلات أعلى بكثيرٍ، إذ وصلت نسبة ختان الإناث بأحد أشكاله إلى (98%).
تعاني نساء بلدة التقدم والمناطق المجاورة لها من اكثر انواع الختان ضرراً وهو النوع الثالث أو ما يُعرف بالختان الفرعوني وفي هذا النوع تتم ازالة الاعضاء التناسلية الخارجية للأنثى، إضافةً الى ما يسمى بالختان التخييطي، وغالباً ما تجرى هذه العملية المؤلمة جداً على الرضيعات ومنهن من بلغن بالكاد سبعة ايام من العمر. هذه العملية تؤثر على الأنثى منذ الصغر قبل ان تبلغ سن المراهقة ومرحلة الرشد، دعك من العواقب الوخيمة التي تحدث في مرحلة الامومة.
ويحاول المرشدون الصحيون في منظمة اطباء بلاد حدود شرح مايمكن ان يحصل للفتيات الصغيرات وحتى النساء البالغات اللواتي تعرضن لهذه العملية من نزيف مميت أو اصابات قاتلة بالعدوى مثل الكزاز. كما انهن غالباً ما تنمو لديهن تكسيات، الى جانب الآلام الشديدة اثناء فترة الحيض والالتهابات المتكررة في المسالك البولية، اما اذا ما حدث لهن الحمل وحان وقت الولادة، فانهن عادة ما يعانين من مخاض طويل، مما يزيد من احتمال حدوث مخاطر صحية على المولود.
تقول ميدلين غيفارا، الطبيبة العاملة في مجال النساء والتوليد لدى منظمة أطباء بلا حدود «اننا نجد الخراجات والتكيسات حتى لدى الفتيات الصغيرات، اما بالنسبة للمواليد القادمين فاننا نشرح للأمهات كل المضاعفات الصحية المحتمل ظهورها بسبب الختان».
مما لا شك فيه ان المعاناة في الحياة كأنثى مختونة تكون كبيرة، تقول مزنة، وهي واحدة من آلاف النساء اللواتي اخترن الولادة في وحدة الصحة الانجابية التابعة لمنظمة اطباء بلا حدود: وبما ان ختان الإناث عادة متجذرة في تقاليد وأعراف الناس في منطقة التقدم وما جاورها، فان دور المرشدين الصحيين وهم من سكان المنطقة ذاتها وتابعون للمنظمة يبقى حيوياً في توعيتهم ونقل الرسائل الطبية الخاصة بهذا الموضوع اليهم. في البداية كان البعض يعتقد أنّ المرشدات الصحيات لسن سوى مجرد متسولات، بينما اتهم الفريق الصحي بالوقاحة وقلة الحياء لجراءته على الحديث عن قضايا الصحة الإنجابية. وعلى الرغم من الانتقاد الشديد الذي واجهوه، فقد صمد هؤلاء المرشدون واستمروا في نشر رسائلهم الصحية المهمة، وبمرور الوقت استطاع المرشدون الصحيون كسب اهتمام القليل من الناس وشرعوا في خلق مجموعات نقاش للحديث عن مختلف القضايا الصحية.
تقول عوضية صديق، وهي مرشدة نفسية تابعة لمنظمة بلا حدود «في كل مرة كانت تأتي إلينا إمرأة ونكسب ثقتها، كنا نحرص حينها على اعطائها معلومات وافية لنعينها على اتخاذ خيار حكيم فيما يختص بصحتها».
أصبح الناس الآن يشاركون المرشدين الصحيين والفريق الاستشاري الحديث عن مزايا الولادة في المستشفى وعن المضار الصحية للختان وكذلك عن الامراض المنقولة جنسياً وتنظيم الاسرة. وقبل ثلاث سنوات كانت هذه الفكرة تبدو وكأنها ضرب من الخيال. ويتعاون فريق الإرشاد الصحي مع بقية افراد المجتمع، بما فيهم أئمة المساجد في المنطقة وزعماء القبائل واهل الفن، من أجل توصيل الرسائل المرتبطة بالقضايا الصحية وزيادة الوعي عن الأمراض المنقولة جنسياً والآثار الصحية السالبة لختان الإناث.
ينتمي معظم سكان منطقة التقدم وما جاورها الى البجا. وقبل افتتاح لوحدتها الخاصة بالصحة الإنجابية التابعة لمنظمة اطباء بلا حدود وهي الوحيدة بالمنطقة، كان معظم النساء يلدن في بيوتهن بمساعدة قابلة تقليدية. اما اليوم، فهناك المزيد من النساء اللواتي يفضلن الولادة في المستشفى.
بالتعاون مع وزارة الصحة، تقوم منظمة بلاد حدود بتوفير انواع مختلفة من الخدمات المجانية في وحدة الصحة الانجابية، تشمل الرعاية أثناء فترة الحمل والمتابعة ما بعد الولادة وخدمات التوليد وتنظيم الاسرة بالاضافة الى علاج الامراض المنقولة جنسياً والاستشارات المتعلقة بها، وغيرها من الخدمات الاستشارية. في بداية هذا العام، انشأت منظمة اطباء بلا حدود غرفة عمليات وجهّزتها بالمعدات من اجل مساعدة النساء في عمليات الولادة المعقدة وعمليات الجراحة القيصرية. وقد قامت الفرق الطبية بمستشفى التقدم باجراء «45» عملية قيصرية وساعدت في اجراء «0051» حالة ولادة وذلك منذ شهر يناير 0102م.
وفي شهر سبتمبر 2010م قامت المنظمة الوطنية السودانية لمحاربة العادات الضارة بتنظيم دورة تدريبية لفريق الارشاد الصحي من اجل تعزيز مهارات افراده ومع نهاية هذا العام، سوف تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتسليم وحدة الصحة الانجابية الى وزارة الصحة، التي ستواصل مشوار المساعدة لنساء منطقة التقدم وما جاورها.
ظلت منظمة اطباء بلا حدود تعمل في السودان منذ العام 9791م وهي تقوم حالياً بإدارة مشروعات في كل من واراب، وجونقلي، واعالي النيل، والوحدة، وغرب وشمال بحر الغزال، وغرب الإستوائية، والإستوائية الوسطى، بالإضافة إلى المناطق الانتقالية في ابيي وجنوب وشمال دارفور والبحر الاحمر والقضارف.
* مسؤولة الإعلام
تقرير: آسيا كمبال
الراي العام