الجنوب.. هل سيتحول إلى دولة مشاغبة؟
إرتبط التوصيف بالشغب عادة، بالتلاميذ الذين يتمتعون بقدرات فوق المعدل على الإزعاج وإلحاق الأذى بجيرانهم في الفصل أو حيث يسكنون ربما. لكن، أن يتحول ذات السلوك التلاميذي في التعاطي مع الجيران، ليصبح سلوك دولة ما، فإن هذا ما يجعل جيرانها يتخوفون، ويتحسسون في الوقت نفسه أدوات ردهم على الشغب.. الشغب غير المستبعد حدوثه من الدولة الجنوبية الوليدة خاصة إذا مدت يديها الطويلتين للعبث في جسد الدولة الأم.
—-
بناءً على حيثيات – يتوافر في الجنوب حتى قبل أن ينفصل، الكثير منها-. لا يستبعد البعض أن تكون دولة الجنوب كـ – دولة جارة- مثيرة للشغب.
من تلك الحيثيات، وجود مطلوبين من حركة العدل والمساواة في الجنوب تحت كرم حكومتها المبذول رغم شح إمكاناتها لمناوئي الخرطوم. فوجود مني أركو مناوي الغاضب من الحكومة، والمغضوب عليه منها كذلك في جوبا التي أصبحت فجأة، مضيافة. إذا قرأناه مع علاج حكومة الجنوب لجرحى العدل والمساواة، وأحاديث بعض قادة الحركة، فسيدفع في إتجاه الإعتقاد لبعض الوقت، بأننا موعودون بشغب سياسي، وربما عسكري، من جهة الجنوب.
لكن الحديث عن شغب غير مستبعد من دولة الجنوب الوليدة، يراه البعض شغباً في حد ذاته. فقد نفى باقان أموم، وزير السلام في حكومة الجنوب والأمين العام للحركة الشعبية بشدة أي إتجاه أو إحتمال لشغب دولة الجنوب، وأكد إن الدولة الوليدة لن تكون مشاغبة بأي شكل من الأشكال.
وقال باقان لـ (الرأي العام): إن الجنوبيين أكثر الناس إكتواءً بنيران الحرب ويرغبون في تقرير مصيرهم كحق تمت مصادرته من قبل الإستعمار التركي والدولة المهدية والحكم الثنائي والدولة السودانية الفاشلة منذ الإستقلال وهو ما أدخل الجنوبيين في معارك مستمرة. ولذلك فإن الجنوبيين سيستثمرون الفرصة التاريخية في بناء حياتهم المحطمة بسبب الحرب والقهر والإحتلال وبناء مجتمع آمن، ولن يكون ذلك بالشغب أو الحرب، بل بإقامة علاقات سلام وجوار طيبة وآمنة.
ورغم الإختلاف بين إستقلال أريتريا عن أثيوبيا وإنفصال جنوب السودان المحتمل عن شماله، إلا أن هناك من يحاول إيجاد سلك ناظم من الشغب بين الحالتين.
فالبعض وهو يتعامى عن الأسباب التي دفعتها إلى ذلك، يرى أن دولة أريتريا الوليدة دخلت في صراع مع أثيوبيا بعد فترة قصيرة من إستقلالها عنها، ودخلت في الوقت نفسه في صراع مع اليمن حول جزر حنيش، ومع الحكومة في الخرطوم كذلك وهو ما يمكن وصفه بشغب الدول.
وعلى خلفية ذلك يتوقعون أن تسلك دولة الجنوب الجديدة ذات المنعطفات التي لا تفضي إلاَّ إلى الحرب. في وقت يستبعد فيه المسؤولون الكبار بالحركة والجنوب أي إحتمال للحرب أو الشغب مع دولتهم الأم. خاصة وأن كليهما له من المشاكل الأخرى ما يشغله ويستنفد طاقاته.
وقريباً من ذلك، يمضي محللون إلى أن دولة الجنوب، وإن رغبت في إثارة الشغب، فهي لا تملك القدرة على ذلك لأنه سيكلفها بالضرورة الكثير من الوقت والموارد هي أحوج ما تكون إليها للنهوض بإنسان الجنوب الذي ما زال خالى الوفاض من مكاسب السلام والتنمية.
ولا يستبعد محللون اذا أثارت دولة الجنوب الشغب كما اليمن الجنوبي في زمان سابق، أن يتعامل معه السودان الشمالي بذات الطريقة التي تعامل بها اليمن الشمالي ويسعى لضم الجنوب وتوحيد البلاد بالقوة من جديد وهو الأمر الذي يُفضي – إن حدث- إلى حالتي فوضى وشغب عارمتين.
غير المتفائلين بجوار خالٍ من الشغب يرون أن ملامح التوتر بدأت تطفو على السطح بين الشمال ومشروع دولة الجنوب، ويشيرون في هذا الإتجاه إلى حديث الفريق مهندس محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني في الأيام الفائتة الذي طالب فيه حكومة الجنوب باتخاذ قرار فوري لمصلحة استدامة السلام بإلقاء القبض على متمردي دارفور كافة الموجودين بالجنوب لافتاً سإلى إن بعض قيادات تمرد دارفور موجودة في جوبا وياي، وفي شمال بحر الغزال.
وفيما تساءل عطا عما يفعله المتمرد أحمد بخيت في ياي، وما يريده متحرك العدل والمساواة المتجه إلى شمال بحر الغزال، وماذا كانوا يريدون أن يسلموا هناك ويستلموا؟، نفى باقان علمه بوجود قيادات من العدل والمساواة بالجنوب، ونوه إلى أنهم لم يدعوا مني أركو مناوي مطلقاً لزيارة جوبا، فهو مواطن سوداني جاء إليها بمحض إختياره ولا يمكن إغلاق الأبواب في وجهه فهو سوداني له الحق في أن يذهب إلى حيث يشاء.
ويعيد وجود رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي هذه الأيام بجوبا، قصة علاقة ماضوية غير منكورة بين حركته والحركة الشعبية لتحرير السودان. علاقة قال عنها عبد الواحد محمد نور في حوار مع الزميل عبد الفتاح عرمان (بصريح العبارة في حياة الدكتور قرنق عاملتنا الحركة الشعبية معاملة جيدة جداً وهائلة. واعتقد أن رؤية السودان الجديد والتغيير كانت تتمثل في شخصه، ولكن بعد رحيله هناك بعض الأشخاص صنعوا حاجزاً بيننا وبين سلفا كير).
ولكن هذا الحاجز يمكن أن يكسر برأي البعض، وتعود على ركامه تلك العلاقة الهائلة بين الحركة ومناؤى الحكومة في الخرطوم، إلى سابق دفئها إذا مضت في طريق الشغب والفوضى.
ورغم أن بالجنوب والحركة المتمرسة سياسياً وعسكرياً، قدراً عالياً من النضج الذي يحول دون الدخول في شغب عبثي مع الجيران. لكن هذا لا يُغني من سؤال عما بالحكومة في الشمال من أوراق للضغط على جوبا ورد تحيتها بأخرى أحر منها إذا سلك الجيران الطريق المفضي إلى الشغب؟.
الإجابة على ذلك تختلف من شخص لآخر بإختلاف الخلفية التي ينطلق منها من يضع أسفل ذلك السؤال، إجابة. إلى أن القاسم المشترك بين ما ذهبوا إليه هو أن الخرطوم تملك مثلما تملك جوبا من قدرات على إثارة الشغب، وربما فوق ذلك. وإن كان بمقدور حكومة الجنوب دعم حركات دارفور والإحتفاظ بهم ككروت ضغط يوجهون طلقات بنادقهم للخرطوم بأمر جوبا، فبإمكان الخرطوم فعل ذلك وأكثر، حيث يُمكنها أن تستعمل ذات كرت الضغط المجرب، وتتجه لدعم مليشيات جنوبية مناوئة للحركة وقريبة من الوطني في نفس الوقت. فبمثل هذا الدعم المزدوج للمناوئين في البلدين يكون الشغب، وتكون الحرب.
ولكن يبدو أن أخبار نهاية الأسبوع الماضي قد وضعت حداً للتساؤلات المفتوحة حول احتمال الشغب، فقد اتفقت القوات المسلحة والجيش الشعبي على تعزيز الثقة والنأي عن دعم التمرد بالشمال والجنوب.
ومهما يكن من أمر، فمن السابق لأونه التكهن الآن بشغب دولة الجنوب من عدمه، فثمة حيثيات لتوقع الشغب، وأكثر منها لتوقع نقيضه من الهدوء والأمن والإستقرار في علاقات البلدين. بقى أن ننتظر إذاً لنرى كيف يكون الحال بين الدولتين بعد الإنفصال فهو حال بحاجة إلى عراف فيما يبدو، أكثر من حاجته إلى محلل سياسي.
الراي العام
فتح الرحمن شبارقة